للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا خِلَافُ مَا فِي ذَيْنِك الْخَبَرَيْنِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا مِمَّا قُلْنَا مِنْ تِلْكَ الْعَوَائِدِ الْمَلْعُونَةِ، وَالْإِيهَامِ بِتَوْثِيبِ الْأَحَادِيثِ عَمَّا فِيهَا إلَى مَا لَيْسَ فِيهَا.

وَبَيَانُ ذَلِكَ -: أَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ - لَا بِدَلِيلٍ وَلَا بِنَصٍّ - أَنَّ وَقْتَ الْعَصْرِ أَوْسَعُ مِنْ وَقْتِ الظُّهْرِ؛ وَإِنَّمَا فِيهِ: أَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى قَالُوا: نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلًا وَأَقَلُّ أَجْرًا؛ فَمَنْ أَضَلُّ وَأَخْزَى فِي الْمَعَادِ مِمَّنْ جَعَلَ قَوْلَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّذِي لَمْ يُصَدِّقْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَأَيْضًا -: فَإِنَّهُ يُخَالِفُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُجَّةً يَرُدُّ بِهَا تَمْوِيهًا وَتَخَيُّلًا نَصُّ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ مَا دَامَ ظِلُّ الرَّجُلِ كَطُولِهِ مَا لَمْ تَحْضُرْ الْعَصْرُ» .

فَكَيْفَ وَاَلَّذِي قَالَتْ الْيَهُودُ لَا يُخَالِفُ مَا حَدَّهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ أَنَّهُمْ عَمِلُوا مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ؛ وَقَالُوا: نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلًا وَأَقَلُّ عَطَاءً؟ وَهَذَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ الَّذِي عَمِلُوهُ كُلُّهُمْ أَكْثَرُ مِمَّا عَمِلْنَاهُ نَحْنُ؛ بَلْ الَّذِي عَمِلَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ أَكْثَرُ مِنْ الَّذِي عَمِلْنَاهُ نَحْنُ وَاَلَّذِي مِنْ أَوَّلِ الزَّوَالِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ - فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ - أَكْثَرُ مِمَّا فِي حِينِ زِيَادَةِ الظِّلِّ عَلَى الْمِثْلِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَاَلَّذِي أَخَذَ بِهِ كُلُّ طَائِفَةٍ أَقَلُّ مِمَّا أَخَذْنَا وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «إنَّمَا بَقِيَ مِنْ النَّهَارِ شَيْءٌ يَسِيرٌ؟» .

وَهَذَا حَقٌّ؛ لِأَنَّ مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ إلَى آخِرِ النَّهَارِ يَسِيرًا بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا هُوَ أَكْثَرُ، مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، نَعَمْ وَبِالْإِضَافَةِ أَيْضًا إلَى وَقْتِ الظُّهْرِ عَلَى قَوْلِنَا؛ لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ فَهُوَ بِلَا شَكٍّ يَسِيرٌ إذَا أُضِيفَ إلَى مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ؛ فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ بِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ

<<  <  ج: ص:  >  >>