للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ عَلِيٌّ: وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّهُ ' - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّمَا عَنَى آخِرَ أَوْقَاتِ الْعَصْرِ، وَهُوَ مِقْدَارُ تَكْبِيرَةٍ قَبْلَ غُرُوبِ آخِرِ الْقُرْصِ -: لَصَدَقَ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ بُعِثَ وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ، وَضَمَّ أُصْبُعَهُ إلَى الْأُخْرَى وَأَنَّنَا فِي الْأُمَمِ كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي الثَّوْرِ الْأَسْوَدِ - فَهَذَا أَوْلَى مَا حُمِلَ عَلَيْهِ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِتَتَّفِقَ أَخْبَارُهُ كُلُّهَا؛ بَلْ لَا يَجُوزُ غَيْرُ هَذَا أَصْلًا -، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ، وَقَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ: إنَّ وَقْتَ الْعَتَمَةِ يَمْتَدُّ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَزَادَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ امْتِدَادَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ؟ -: فَخَطَأٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى بِلَا دَلِيلٍ، وَخِلَافٌ لِجَمِيعِ الْأَحَادِيثِ، أَوَّلِهَا عَنْ آخِرِهَا؛ وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ سَاقِطٌ بِيَقِينٍ، وَقَدْ احْتَجَّ فِي هَذَا بَعْضُ مَنْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ مِنْ أَصْحَابِنَا بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ أَنْ تُؤَخِّرَ صَلَاةً حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ أُخْرَى» وَرَامُوا بِهَذَا اتِّصَالَ وَقْتِ الْعَتَمَةِ بِوَقْتِ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَإِنَّ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى مَا قَالُوهُ أَصْلًا، وَهُمْ مُجْمِعُونَ مَعَنَا - بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ - أَنَّ وَقْتَ صَلَاةِ الْفَجْرِ لَا يَمْتَدُّ إلَى وَقْتِ صَلَاةِ الظُّهْرِ؟ فَصَحَّ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ لَا يَدُلُّ عَلَى اتِّصَالِ وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ بِوَقْتِ الَّتِي بَعْدَهَا، وَإِنَّمَا فِيهِ مَعْصِيَةُ مَنْ أَخَّرَ صَلَاةً إلَى وَقْتِ غَيْرِهَا فَقَطْ، سَوَاءٌ اتَّصَلَ آخِرُ وَقْتِهَا بِأَوَّلِ الثَّانِيَةِ لَهَا، أَمْ لَمْ يَتَّصِلْ؟ وَلَيْسَ فِيهِ: أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُفَرِّطًا أَيْضًا مَنْ أَخَّرَهَا إلَى خُرُوجِ وَقْتِهَا، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ أُخْرَى، وَلَا أَنَّهُ يَكُونُ مُفَرِّطًا؛ بَلْ هُوَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ فِي هَذَا الْخَبَرِ، وَلَكِنَّ بَيَانَهُ فِي سَائِرِ الْأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا نَصٌّ عَلَى خُرُوجِ وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ.

وَالضَّرُورَةُ تُوجِبُ أَنَّ مَنْ تَعَدَّى بِكُلِّ عَمَلٍ وَقْتَهُ الَّذِي حَدَّهُ اللَّهُ تَعَالَى لِذَلِكَ الْعَمَلِ فَقَدْ تَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: ٢٢٩] فَكُلُّ مَنْ قَدَّمَ صَلَاةً قَبْلَ وَقْتِهَا الَّذِي حَدَّهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا وَعَلَّقَهَا بِهِ، وَأَمَرَ بِأَنْ تُقَامَ فِيهِ، وَنَهَى عَنْ التَّفْرِيطِ فِي ذَلِكَ؛ أَوْ أَخَّرَهَا عَنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ -: فَقَدْ تَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ تَعَالَى؟ فَهُوَ ظَالِمٌ عَاصٍ.

وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْحَاضِرِينَ مِنْ الْمُخَالِفِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>