للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا تَعَمُّدُ تَأْخِيرِهَا عَنْ وَقْتِهَا فَمَعْصِيَةٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ تَقَدَّمَ وَتَأَخَّرَ، مَقْطُوعٌ عَلَيْهِ مُتَيَقَّنٌ، وَمَنْ شَبَّهَ الصَّلَاةَ بِالدَّيْنِ، لَزِمَهُ إجَازَةُ تَقْدِيمِهَا قَبْلَ وَقْتِهَا؛ كَالدَّيْنِ يُقَدَّمُ قَبْلَ أَجَلِهِ فَهُوَ حَسَنٌ وَلَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ بِعِصْيَانِ مَنْ أَخَّرَهَا عَامِدًا قَادِرًا عَنْ وَقْتِهَا، كَالدَّيْنِ يَمْطُلُ بِأَدَائِهِ عَنْ وَقْتِهِ بِغَيْرِ عُذْرٍ؟ .

وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ فِي هَذَا الْبَابِ، وَقَدْ خَالَفُوهُ فَإِنْ ادَّعُوا إجْمَاعًا عَلَى قَوْلِهِمْ؟ كَذَبُوا، فَقَدْ صَحَّ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ جَوَازُ تَقْدِيمِ الصَّلَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا؛ وَمَا جَازَ قَطُّ عِنْدَ أَحَدٍ تَعَمُّدُ تَأْخِيرِهَا عَنْ وَقْتِهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ -، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ؟ .

وَأَمَّا إنْكَارُ أَبِي حَنِيفَةَ تَأْخِيرَ الْمُسَافِرِ الَّذِي جَدَّ بِهِ السَّيْرُ، وَلَمْ يَنْزِلْ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَلَا بَعْدَهُ صَلَاةَ الظُّهْرِ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ كَغَيْرِهِ وَتَأْخِيرَ الْمَغْرِبِ كَذَلِكَ إلَى وَقْتِ الْعَتَمَةِ كَغَيْرِهِ؟ -: فَهُوَ خِلَافٌ مُجَرَّدٌ لِلسُّنَنِ الثَّابِتَةِ فِي ذَلِكَ؟ رَوَاهَا أَنَسٌ وَابْنُ عُمَرَ بِأَصَحِّ طَرِيقٍ؛ وَقَدْ ذَكَرْنَا رِوَايَةَ أَنَسٍ؛ وَغَنِيّنَا بِهَا عَنْ ذِكْرِ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَلَا أَعْجَبَ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الْمُقَلِّدِينَ لَهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّفَقِ نَزَلَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ الْعَتَمَةَ؟» .

فَقَالَ هَذَا الْمَفْتُونُ: إنَّمَا أَرَادَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّفَقِ؛ فَقَالَ: بَعْدَ غُرُوبِ الشَّفَقِ عَلَى الْمُقَارَبَةِ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: ٢] .

وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَإِنَّهُ أَعْمَى لَا يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ: أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ» .

قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذِهِ مُجَاهَرَةٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَسْهِلْهَا ذُو وَرَعٍ وَحَيَاءٍ أَنْ يَقُولَ الثِّقَةُ «بَعْدَ غُرُوبِ الشَّفَقِ» فَيَقُولُ قَائِلٌ: إنَّمَا أَرَادَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّفَقِ وَمَنْ سَلَكَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ دَخَلَ فِي طَرِيقِ الرَّوَافِضِ الَّذِينَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَيُفَسِّرُونَ الْجِبْتَ وَالطَّاغُوتَ وَأَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً عَلَى مَا هُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>