عنده من المستعار، وغسل ثوب الليل بما فجّر الفجر من أنهار النّهار، وأتى الله بنيان الكفر من القواعد، وشفى غليل صدور المؤمنين برقراق ماء الموردات البوارد.
أنزل ملائكة لم تظهر للعيون اللاحظة، ولم تخف عن القلوب الحافظة، عزّت سيما الإسلام بمسوّمها، وترادف نصره بمردفها، وأخذت القرى وهي ظالمة فترى مترفيها كأن لم تؤو فيها، فكم أقدم بها حيزوم، وركض فاتّبعه سحاب عجاج مركوم، وضرب فإذا ضربه كتاب جراح مرقوم، وإلا فإنّ الحروب إنما عقدت سجالا، وإنما جمعت رجالا، وإنما دعت خفافا وثقالا، فإمّا سيوف تقاتل سيوفا، أو زحوف تقاتل زحوفا، فيكون حدّ الحديد بيد مذكّرا وبيد مؤنّثّا، ويكون السيف في اليد الموحّدة يغني بالضربة الموحّدة وفي اليد المثلّثة لا يغني بالضّرب مثلّثا، وذلك أنه في فئتين التقتا، وعدوّتين لغير مودّة اعتنقتا. وإن هذه النّصرة إن زويت عن ملائكة الله جحدت كراماتهم، وإن زويت عن البشر فقد عرفت قبلها مقاماتهم، فما كان سيف يتيقّظ من جفنه قبل أن ينبّهه الصّريخ، ولا كان ضرب يطير الهام قبل ضرب يراه الناظر ويسمعه المصيخ، فكم قرية كأنّها هجرة الموت وبها التاريخ، وكم طعنة تخّر لها هضاب الحديد ولها شماريخ.
والحمد لله الذي أعاد الإسلام جديدا ثوبه، بعد أن كان جديدا «١» حبله، مبيضّا نصره، مخضرّا نصله، متّسعا فضله، مجتمعا شمله. والخادم يشرح من نبإ هذا الفتح العظيم، والنصر الكريم ما يشرح صدور المؤمنين، ويمنح الحبور لكافّة المسلمين، ويكرّر البشرى بما أنعم الله به- من يوم الخميس الثالث والعشرين من ربيع الآخر إلى يوم الخميس منسلخه- وتلك سبع ليال وثمانية أيّام حسوما سخّرها الله على الكفّار فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ «٢»
ورايتها إلى الإسلام ضاحكة كما كانت من الكفر باكية، فيوم