كان محمودا في أمره، رغب في محبته، لأن الخيّر أهل أن يحبّ حيث كان، فإن كنت إنما تؤهّل لمكاتبتك ومماثلتك من اتسعت مملكته، وعظمت دولته، وحسنت سيرته؛ فهذه ممالك عظيمة، واسعة جمّة، وهي أجل الممالك التي ينتفع بها الأنام، وسرّ الأرض المخصوصة بالشرف، فإنّ الله قد جمع لنا الشرف كلّه، والولاء الذي جعل لنا من مولانا أمير المؤمنين أطال الله بقاءه، مخصوصين بذلك إلى مالنا بقديمنا وحديثنا وموقعنا. والحمد لله رب العالمين الذي جمع لنا ذلك بمنّه وإحسانه، ومنه نرجو حسن السعي فيما يرضيه بلطفه. ولم ينطو عنك أمرنا فيما اعتمدناه. وإن [كنت] تجري في المكاتبة على رسم من تقدّمك فإنك لو رجعت إلى ديوان بلدك، وجدت من كان تقدّمك قد كاتب من قبلنا من لم يحلّ محلّنا، ولا أغنى غناءنا، ولا ساس في الأمور سياستنا، ولا قلّده مولانا أمير المؤمنين أطال الله بقاءه ما قلّدنا، ولا فوّض إليه ما فوّض إلينا؛ وقد كوتب أبو الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون، وآخر من كوتب تكين مولى أمير المؤمنين ولم يكن تقلد سوى مصر وأعمالها.
ونحن نحمد الله كثيرا أوّلا وآخرا على نعمة التي يفوت عندنا عددها عدّ العادّين، ونشر الناشرين. ولم نرد بما ذكرناه المفاخرة، ولكنا قصدنا بما عددنا من ذلك حالات: أوّلها التحدّث بنعمة الله علينا؛ ثم الجواب عما تضمّنه كتابك من ذكر المحلّ والمنزلة في المكاتبة، ولتعلم قدر ما بسطه الله لنا في هذه المسالك، وعندنا قوّة تامة على المكافأة على جميل فعلك بالأسارى، وشكر واف لما توليهم وتتوخّاه من مسرّتهم إن شاء الله تعالى وبه الثقة، وفّقك الله لمواهب خيرات الدنيا والآخرة، والتوفيق للسّداد في الأمور كلها، والتيسير لصلاح القول والعمل الذي يحبه ويرضاه ويثيب عليه، ويرفع في الدنيا والآخرة أهله، بمنّه ورحمته.
وأما الملك الذي ذكرت أنه باق على الدهر لأنه موهوب لكم من الله خاصّة، فإنّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين. وإن الملك كلّه لله يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعزّ من يشاء ويذلّ من يشاء بيده الخير وإليه المصير، وهو على كل شيء قدير. وإن الله عزّ وجل نسخ ملك