للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكفّون؛ فعند ذلك رأى نوّابنا بذلك العسكر أن تكفّ عنهم شقّة الشّقاق وتطوى، ولانت قلوبهم لتذكار قوله تعالى: وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى

«١» وطالعوا علومنا بما سأله القوم من الرحمة والرّأفة، وما ضرعوا إليهم فيه من الأمان والألفة، وإعطاء ما كنّا رسمنا به من تسليم قلاع معدوده، وتسويغ أراض محدوده، تستقرّ بيد نوّابنا وتقطع بالمناشير الشريفة لأهل الجهاد من أبوابنا، مع استقرار ما رسمنا به من قطيعة، وعقد الهدنة على أمور هي عندنا محبّبة ولديهم فظيعة.

هذا بعد أن استولت عساكرنا على قلاع لهم وحصون، ومحرز من أموالهم ومصون؛ وطلعت أعلامنا المحمّديّة على قلعة آياس، ونزل أهل الكفر على حكم أهل الإيمان وزال التحفّظ والاحتراس، وأعلن بالأذان في ذلك الصّرح، وظهرت كلمة الإيمان كما بدأت أوّل مرّة وهذا يغني عن الشّرح؛ وعلت الملّة الحنيفيّة بذلك القطر وقام أهلها وصالوا، وغلّت أيدي الكفّار ولعنوا بما قالوا.

وكان جيشنا قبل ذلك أخذ قلعة تسمّى «بكاورّا» واستنزلوا أهلها قسرا، واستزالوهم عنها ما بين قتلى وأسرى؛ وهي قلعة شامخة الذّرى، فسيحة العرا، وثيقة العرا، يكاد الطرف يرجع عنها خاسئا.

ولما اتّصل بأبوابنا هذا الخبر السّارّ، وشفع لنا من نرى قبول شفاعته في إجابة ما سأله هذا الشّعب من إرجاء عذاب أهل الكفر إلى نار تلك الدار؛ مننّا عليهم بالأمان، وقابلناهم بعد العدل بالإحسان؛ وتقدّم أمرنا إلى نوّابنا بكفّ السيف وإغماده، وإطفاء مسعّر الحرب وإخماده؛ وأن يجرى المنّ على مألوفه منّا ومعتاده، بعد تسليم تلك القلاع، وهدم الأسوار التي كان بها لأهل الكفر الامتناع، واستبقاء الرعيّة، واستحياء الذّرّية، وإجراء الهدنة المسؤولة على القواعد الشرعيّة؛ وعاد عسكرنا منشور الذوائب، مظفّر الكتائب، مؤيّد المواكب، مشحونا بغرائب الرّغائب.

<<  <  ج: ص:  >  >>