ولما فرغنا والحمد لله من تلكم الشّواغل، وأرغنا من الخائن التّلمساني ترك ما هو فيه من إثارة الفتن واغل، فأعرض وأشاح، وما لاحت عليه مخيلة فلاح، نهدنا نحو أرضه، لنجزيه بقرضه، بجيوش يضيق عنها فسيح كلّ مدى، وخيول تذر الأكم للحوافر سجّدا، تنقضّ على الأقران أمثال الأجادل، وتقضّ الجنادل من حوافرها بأصلب من الجنادل، فكلفنا بتسلّم منازله فمنزلا، وتسنّم معاقله معقلا فمعقلا، وجلّ رعاياه تقرّ بفضلنا، وتفرّ من جوره إلى عدلنا، ومن تمسّك منهم بحبله، أو سلك من الغيّ في سبله، قاده السيف برغمه، واستنزله على حكمه، والعفو مع ذلك يؤمّهم، والإحسان يشملهم ويعمّهم، حتّى لم يبق إلّا معقله الأشب، ومنزله الذي رأى أنه عن عين الشّوائب محتجب، قد شمخ أنفا حميّا، وصافح كفّا للثّريّا، ولم يرض لها منه عمائم إلّا الغمائم، ولا لأنامل شرفاته خواتم، إلّا النّجوم العواتم، فنزلنا بساحه، وأقبلنا على كفاحه، وجعلنا نقذفهم من حجارة المجانيق، بأمثال النّيق، ومن كيزان النّفظ الموقدة، بأمثال الشّهب المرصدة، ومن السّهام العقّارة، بأمثال العقارب الجرّارة، حتّى غدت جدرانهم مهدومة، وجسومهم مكلومة، وثغور شرفاتهم في أفواه أبراجهم مهتومة، وظلّت الفعلة تشيّد إزاء أبراجهم أبراجا، وتمهّد منها لتسوير أسوارهم أدراجا، وللمعاول في أسافلها إعوال، وللعواسل على أعاليها أعمال، وللأشقياء مع ذلك شدّة وجلد، وعدّة وعدد، وحدّة ولدد، يقاتلون حميّة، وينازلون بنفوس أبيّة، وحجارة المجانيق «١» تشدخ هامهم، وبنات الكنائن تزلزل أقدامهم، وهم في مثل ذلك لازمون إقدامهم، إلى أن اشتدّت أزمتهم فلم يجدوا لها من فارج، وأحاطت بهم الأوجال من خارج، وهدمت أبراجهم الشّواهق، وردمت حفائرهم والخنادق، وأخذت الكماة في العروج إلى البروج، والحماة في السّباق إلى الأنفاق، والرماة في النّضال بالنّصال، فمن مرتق سلّما، غير متّق مؤلما، ومشتغل بالنّقب، غير