للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محتفل بشابور الحجارة المنصبّ، وأفرج المضيق، وانتهج الطّريق، واقتحمته أطلاب الأبطال، وولجته أقيال القبائل وولّى الأشقياء الأدبار، وعاذوا بالفرار، وبدت عليهم علامات الإدبار، وسابقوا إلى الأبواب، فكان مجيئهم من أقوى الأسباب، وقتل منهم الزّحام، من أسأره الهدم والحسام، فتملّكنا ما دارت عليه الأسوار الخارجة، كفرار السبع والملعب، وجميع الجنان والعروش التي ما انفكّ الشقيّ يجتهد في عمارتها ويتعب، وأعلنّا بالنّداء أن كلّ من جاءنا هاربا، ووصل إلينا تائبا، منحناه العفو، ومحونا عنه الهفو، وأوردناه من إحساننا الصّفو، فتبادروا عند ذلك يتساقطون من الأسوار، تساقط جنيّات الثّمار، فرادى ومثنى، آئبين إلى الحسنى، فيسعهم الصّفح، ويحسبهم المنّ والمنح.

ولما رأى الخائن قلّة من بقي معه، وشاهد تفرّق من ذلك الموقف جمعه، أمر بسراح من في قبضته وسجنه، واعتقدهم عونا له فكانوا أعون شيء على وهيه ووهنه، واعتمد الناس في بقيّة يومهم السّور تتوسّع أنقابه، وتتخرّق أبوابه، إلى أن جنّهم الليل، وحاق منهم بالأعداء الويل، ولزم كلّ مركزه، ولم يكن الليل ليحجبه من عمله ولا يحجزه، وبات الفرّار إلينا يهربون، ومن كل نفق يتسرّبون؛ فلما ارتفع الضّياء، ومتع «١» الضّحاء، أمرنا ولدينا يعقوب وعبد الواحد، ووزيرنا القاعد له بالمراصد، بأن زحفوا إليها، مع أطلابنا تحت راياتنا المنصورة عليها، فرجفت قلوبهم، ووجبت جنوبهم، ولم يكن إلّا كلا حتّى امتطيت تلك الصّهوة، وتسنّمت فيها الذّروة، وتسلّمت بيد العنوة، وفصمت عراها عروة عروة، وأنزلوا من صياصيهم «٢» ، وتمكّنت يد القهر من نواصيهم، وحقّت عليهم كلمة العذاب من معاصيهم، وفرّ الشّقيّ إلى فناء داره، في نفر من ذويه وأنصاره، وفيهم ولداه مسعود وعثمان، ووزيره موسى بن عليّ معينه على البغي والعصيان، وعبد الحق بن

<<  <  ج: ص:  >  >>