آخر: والطاعة هي العروة الوثقى، والطريقة المثلى، والغنيمة لأهلها في الأخرى والأولى.
«عبد الحميد»«١» : فإن الفتنة تتشوّف لأهلها بآنق منظر، وأزين ملبس، تجرّ لهم أذيالها، وتعدهم تتابع لذّاتها، حتّى ترمي بهم في حومات أمواجها، مسلّمة لهم، تعدهم الكذب وتمنّيهم الخدع، فإذا لزمهم عضاضها «٢» ، ونفر بهم شماسها، وتخلّت عنهم خاذلة لهم، وتبرأت منهم معرضة، قد سلبوا أجمل لباس دينهم، واستنزلوا عن أحصن معاقل دنياهم، من الغناء البهيّ منظره، الجميل أثره، حتّى تطرحهم في فضائح أعمالهم، والإيجاف في التّعب، وسوء المنقلب، فمن آثر دينه على دنياه تمسك بطاعة ولاته، وتحرّز بالدخول في الجماعة، تاركا لأثقل الأمرين، وأوبل الحالين.
«ابن عبد كان»«٣» في ذمّ الخلاف: وإن فلانا كان عبدا من عبيدنا، اعتوره إنعامنا، ونوّه به إكرامنا، وشرّفه ولاؤنا، وحسن عنده بلاؤنا، وابتنينا له الأموال، وأسنينا له الأعمال، وأوطأنا عقبه الرجال، فلم تقع النّعم منه عند شاكر، ولا الصنيعة عند محتمل؛ فلما رفع الله بمكاننا خسيسته، وبلّغه من شرف الذّكر ونباهة القدر وانبساط يده ما كانت همّته تعجز عنه، وآماله تقصر دونه، أضراه ذلك وأبطره، وأطغاه وأكفره، فاختال زاهيا، واستكبر عاليا، وغدر باغيا، وشاقّ عاصيا، وأوضع في الفتنة لنا حربا، ولأعدائنا حزبا، ولمن انحرف عنا يدّا، ولمن مال إلينا ضدّا، من غير سبب أوجبه، ولا أمر دعاه إليه، فكان كما قال الله عزّ وجلّ في كتابه: كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى