«١» فلما ورده الخبر بما هيّأ الله لنا من الرجوع إلى الفسطاط على الحال السارّة لأوليائنا، الغائظة لأعدائنا، سقط في يده، وفكّر في غليظ جرمه وخيانته، فأدّاه الخوف الذي استشعره، والإشفاق الذي خامره، إلى أن ركب عظيما من الأمور، وكاشف بالعصبيّة والغرور، مكاتفا أعداء «٢» ، ومواليا ذوي العداوة والشّنارة «٣» ، ونرجو بحول الله وقوّته، وإرادته ومشيئته، وما لم يزل الله- تقدّس اسمه- يجريه عندنا من جميل عاداته فيمن سفه الحق، وزاغ عن القصد، أن يبسل هذا الخائن بخبائث أعماله، ويسلمه لقبائح أفعاله، وأن يصرعه بأسو إ مصارع أمثاله، فإنّ أحدا لم يحمد النعمة، إلّا استدعى النّقمة، ولم يذع الشكر، ويستعمل الكفر، إلّا كانت العثرة منه قريبة، والبلايا محيطة، قولا لا يبدّل رسمه ولا يحوّل.
من كتاب موسى «٤» بن عيسى:
أما بعد، فإن امرأ لو خلص من فلتات الخطإ وخطوات الملإ «٥» ، بفضيلة رأي ولطافة بصر بالأمور، كنت أحجى بذلك دون أهل زمانك، للذي جرت لك عليه تصاريف التبع وتعرّضت لك به وجوه العبر، ولما استقبلت من موارد أمور نفسك، وتعقّبت من مصادر أمور غيرك، ولكنّ الله إذا أراد أمرا جعل له من قضائه سببا، ومن مقاديره عللا، فمن مقادير علل البلاء تضييع المعرفة، وإلغاء ما تفيده