التمسك بخداعه على مجانبة الصواب في أموره، وأنهم استنجدوا بكل طائفة، وأقدموا على البلاد الإسلامية بنفوس طامعة وقلوب خائفة، وذلك بعد أن أقاموا مدّة يشترون المخادعة بالموادعة، ويسرّون المصارمة في المسالمة، ويظهرون في الظاهر أمورا، [ويدبّرون في الباطن أمورا]«١» ويعدون كلّ طائفة من أعداء الدين ويمنّونهم وما يعدهم الشّيطان إلّا غرورا، وكنّا بمكرهم عالمين، وعلى معاجلتهم عاملين، وحين تبيّن مرادهم، وتكمّل احتشادهم، استدرجناهم إلى مصارعهم، واستجررناهم ليقربوا في القتل من مضاجعهم، ويبعدوا في الهرب عن مواضعهم، وصدمناهم بقوّة الله صدمة لم يكن لهم بها قبل، وحملنا عليهم حملة ألجأهم طوفانها إلى ذلك الجبل، وهل يعصم من أمر الله جبل؟ فحصرناهم في ذلك الفضاء المتّسع، وضايقناهم كما قد رؤي ومزّقناهم كما قد سمع، وأنزلناهم على حكم السّيف الذي نهل من دمائهم حتّى روي وأكل من لحومهم حتّى شبع، وتبعتهم جيوشنا المنصورة تتخطّفهم رماحها، وتتلقّفهم صفاحها، ويبدّدهم في الفلوات رعبها، ويفرّقهم في القفار طعنها المتدارك وضربها، ويقتل من فات السيوف منهم العطش والجوع، ويخيّل للحيّ منهم أنّ موضعه كالدنيا التي ليس للميّت إليها رجوع، ولعله قد رأى من ذلك فوق ما وصف عيانا، وتحقّق من كلّ ما جرى ما لا يحتاج أن نزيده به علما ولا نقيم عليه برهانا.
وقد علم أن أمر هذا العدوّ المخذول ما زال معنا على هذه الوتيرة، وأنهم ما أقدموا إلّا ونصرنا الله عليهم في مواطن كثيرة، وما ساقتهم الأطماع في وقت ما إلا إلى حتوفهم، ولا عاد منهم قطّ في وقعة آحاد تخبر عن مصارع ألوفهم، ولقد أضاع الحزم من حيث لم يستدم نعمة الله عليه [بطاعتنا]«٢» التي كان في مهاد أمنها، ووهاد يمنها، وحماية عفوها، وبرد رأفتها التي كدّرها بالمخالفة بعد صفوها، يصون رعاياه بالطاعة عن القتل والإسار، ويحمي أهل ملّته [بالحذر عن