الوزارة مكانه، ففرّ هاربا إلى الشام ناقضا للعهد، وكتب إلى الحافظ يطلب أهله وجماعته من الأرمن الذين كانوا معه في جملة جند الديار المصرية، مظهرا للطاعة والرغبة إلى التّخلّي عن الدنيا، والانقطاع في بعض الدّيرة للتّعبّد مكرا وخديعة، فكتب له بذلك جوابا عن كتابه الوارد منه. ونصّ ما كتب إليه:
عرض بحضرة أمير المؤمنين الكتاب الوارد منك أيها الأمير، المقدّم، المؤيد، المنصور، عزّ الخلافة وشمسها، تاج المملكة ونظامها، فخر الأمراء، شيخ الدّولة وعمادها، ذو المجدين، مصطفى أمير المؤمنين. ووقف على جميعه، واستولى بحكمه على مضمونه.
فأما ما وسّعت القول فيه وبسطته، وتفسّحت فيما أوردته منه وذكرته، ممّا فحواه ومحصوله ما أنت عليه من الطاعة، والولاء والمشايعة، والاعتراف بنعم الدولة عليك، والإقرار بإحسانها إليك، فلعمر أمير المؤمنين إن هذا الذي يليق بك ويحسن منك، ويحسن أن يرد عنك، ويجب أن يعرف لك، وقد كانت الدولة أسلفتك من حسن الظّنّ قديما، ونقلتك في درجة التّنويه حديثا، حتّى رفعتك إلى أعلى المراتب، وبلّغتك ما لم تسم إليه همّة طالب، وأوطأت الرّجال عقبك، وجعلت جميع أهل الدولة تبعك؛ ممّا أغنى اعترافك به عن الإطالة بشرحه، والإطناب في ذكره.
وأما ما ذكرته مما كان أمير المؤمنين أعطاك التّوثقة عليه، فأجابك منه إلى ما رغبت فيه، فاستقرّ بينه وبينك في معناه ما اطمأننت إليه، فلم يزل أمير المؤمنين على الوفاء باطنا وظاهرا، ونية وعلانية، واعتقاده أن لا يرجع عنه، ولا يغيّر ما أحكمه منه، وإنما حال بينه وبين هذا المراد أن كافّة المسلمين في البعد والقرب