وتنهض لاقتضاء دين الدّين، من غرمائه المعتدين، وتبادر إلى استنجاز وعد الله بأن الله يمحّص المؤمنين، ويمحق الكافرين، واللّيث إذا جرح كان أشدّ لثباته، وأمدّ لوثباته، والموتور لا يصطلى بناره، والثّائر لا يرهب الإقدام على المنون في طلب ثاره، والدهر ذو دول، والزمان متلوّن إن دجت عليكم منه بالقهر ليلة واحدة فقد أشرقت لكم منه بالنّصر ليال أول، فالمولى لا يلتفت إلى ما فات، ويقبل بفكره على تدبير ما هو آت، ويعدّ للحرب عدّته، ويعجل أمد الاستظهار ومدّته، ولا يؤخر فرصة الإمكان، ولا يعيد ذكر ما مضى فإنه دخل في خبر كان، ولا يظهر «١» بما جرى عجزا، فإن العاجز من ظنّ أنه يصيب ولا يصاب، ولا يتّخذ غير ظهر حصانه حصنا فلا حرز أمنع من صهوة الجواد ولا سلّم أسلم من الرّكاب، وليعلم أن العاقبة للمتقين، ويدّرع جنّة الصّبر ليكون من النّصر على ثقة ومن الظّفر على يقين، فإن الله مع الصابرين، ومن كان الله معه كانت يده الطّولى، وإذا لقي عدوّ الله وعدوّة فليصبر لحملته فإنّ الصبر عند الصّدمة الأولى والله تعالى يكلؤه بعينه، ويمدّه بعونه، ويجعل الظّفر بعدوّه موقوفا على مطالبته له بدينه.
ومن ذلك ما كتبه على لسان المهزوم يتضمن الاعتذار، ويصف الاحتفال بأخذ الثّار:
هذه المكاتبة إلى فلان: أتبع الله ما ساءه من أمرنا مع العدوّ بما يسرّه، وبلّغه عنّا من الانتصاف والانتصار ما يظهر من صدور الصّفاح وألسنة الرّماح سرّه، وأراه من عواقب صنعه الجميل بنا ما يتحقّق به أنّ كسوف الشمس لا ينال طلعتها وأنّ سرار القمر لا يضرّه. توضح لعلمه أنه ربما اتّصل به خبر تلك الوقعة التي صدقنا فيها اللّقاء، وصدمنا العدوّ صدمة من لا يحبّ البقاء، وأريناه حربا لو أعانها التأييد فلّلت جموعه، وأذقناه ضربا لو أنّ حكم النّصر فيه إلى النّصل أوجده