إنّ الله خصّ أمير المؤمنين بما هو أهله من خلافته، وعظّم محلّه بما نصبه له من إمامة بريّته، وجعله عمادا لأهل الإسلام تجتمع عليه أهواؤهم، وتسكن إليه أملاؤهم، ويصلح به دينهم ودنياهم، ويستقيم به أمر أولاهم وأخراهم، فإذا أسبغ نعمة من نعمه عليه، وظاهر موهبة من مواهبه لديه، شركوه فيها، ونهضوا معه على الشّكر عليها، وإذا ابتلاه ببليّة، وامتحن صبره برزيّة، أخذوا بالنّصيب العظيم من الحادث، والحظّ الجسيم من الكارث، [و] ما أفردوه بثواب الله فيها وما جعله جزاء من الأجر عليها.
وإن الله تعالى كان أعار أمير المؤمنين من ولده فلان- رضي الله عنه- عارية من عواريه، وبلّغه من الاستمتاع بها ما احتسب من أمانيه، ثم استرجعها ليثقّل بها ميزانه، ويضاعف إحسانه، ويجعلها له ذخرا، ونورا يسعى بين يديه وأجرا، فعظم بذلك المصاب على رعيّته، وكبر الرّزء على أهل دعوته، لما كانوا يرجونه من سكون القلوب، ونقع الخطوب، واستقرار قواعد الخلافة، وشمول الرّحمة والرّافة، وقد حصل أمير المؤمنين على نعم كثيرة من موهبته وثوابه في استعادته، وحصل كافّة خاصّته على القلق لفقده، والأسى من بعده، وقد جعله الله تعالى صلاح كلّ فساد، وثقاف كلّ ميّاد، ومهبط كلّ رحمة، وطريق كلّ نعمة، وهو خليق بأن يظهر من صبره، ورضاه بقضاء الله وتسليمه لأمره، ما يبعث على التّأسّي به، والتّأدّب بأدبه؛ والله تعالى يحسن لأمير المؤمنين الخلف، ويعوّضه أحسن العوض في المؤتنف، ويوفّر حظّه من الثّواب، ويعظم له الأجر على المصاب، ويريه في أوليائه وأحبابه، أعظم محابّه وغاية آرابه، وينقل المنقول إلى إيوان الكرامة والاحتفاء، بأفاضل الأجداد والآباء، بفضله ورحمته، إن شاء الله تعالى.