للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتمدّ رواق العدل والأمنة عليهم، وتحسم أسباب الكفر والنّفاق، وتقمع أهل العناد والشّقاق، ولذلك وصل الله حبل الإمامة، وجعلها كلمة باقية في عقب أوليائه إلى يوم القيامة.

ولما نظر أمير المؤمنين بعين اليقين، واقتبس من الحقيقة قبس [الحق] المبين، عرف ما بنيت عليه الدنيا من سرعة الزّوال، ووشك التحوّل والانتقال، وأنّ ما فوّض الله إليه من خلافته لا بدّ أن ينتقل عنه إلى أبنائه الميامين، كما انتقل إليه عن آبائه الراشدين، فلم يغترّ بمواعيدها المحال، وأضرب عمّا تخدع به من الأمانيّ والآمال، وأشفق على من كفّله الله بسياسته، وحمّله رعايته من أهل الإسلام المعتصمين بحبل دعوته، المشتملين بظلّ بيعته، عند تقضّي مدّته ونزوعه إلى آخرته، في الوقت المعلوم، بالأجل المحتوم، من انتشار الكلمة، وانبتات العصمة، وانشقاق العصا، وإراقة الدّما، واستيلاء الفتن، وتعطيل الفروض والسّنن، فنظر لهم بما ينظم شملهم، ويصل حبلهم، ويزجر ظلمتهم، ويجمع كلمتهم، ويؤلّف أفئدتهم، ورأى أن يعهد إلى فلان ولده؛ لأنه قريعه في علمه وفضله، وعقيبه في إنصافه وعدله، والملموح من بعده، والمرجوّ ليومه وغده، ولما جمع الله له من شروط الإمامة، وكمّله له من أدوات الخلافة، وجبله عليه من الرّحمة والرّافة، وخصّه به من الرّصانة والرّجاحة، والشّجاعة والسّماحة، وآتاه من فصل الخطاب، وجوامع الصّواب ومحاسن الآداب، ووقاية الدّين، والغلظة على الظالمين، واللّطف بالمؤمنين، بعد أن قدّم استخارة الله تعالى فيه، وسأله توفيقه لما يرضيه، ووقف فكره على اختياره، ولم يكن باختياره مع إيثاره، ويلوح في شمائله، ويستوضح في مخايله، أنّه الوليّ المجتبى، والخليفة المصطفى، الذي يحمي الله به ذمار الحقّ، ويعلي بسلطانه شعار الصّدق، وأنه- سبحانه- قد أفضى إليه بما أفضى به إلى الخلفاء من قبله، وأفاض عليه من الكامنات ما أفاضه على أهله، وبعد أن عاقده وعاهده على مثل ما عاهده عليه آباؤه، من تقوى الله تعالى وطاعته، واستشعار خيفته ومراقبته والعمل بكتابه وسنّته، وإقامة

<<  <  ج: ص:  >  >>