وعرفوا في الحروب بتسرّع الإقدام، وثبات الأقدام، وأدّخر الله لأيّامه الشريفة أن تردّنها بهم «١» دار السلام إلى ملك الإسلام: فيدرّ عليهم ما شاء من إنعامه الذي يؤكّد طاعتهم، ويجدّد استطاعتهم؛ ويضاعف أعدادهم، ويجعل بصفاء النيّات ملائكة الله أمدادهم؛ ويحملهم على الثّبات إذا لقوا الذين كفروا زحفا، ويجعلهم في التعاضد على اللّقاء كالبنيان المرصوص فإنّ الله يحبّ الّذين يقاتلون في سبيله صفّا. وفي أمر الشرع وتولية قضاته وحكّامه، وإمضاء ما فرض الله عليه وعلى الأمة من الوقوف عند حدوده وا «٢» مع أحكامه؛ فإنّه لواء الله الممدود في أرضه، وحبله المتين الذي لا نقض لإبرامه ولا إبرام لنقضه، وسنن نبيّه الذي لا حظّ عند الله في الإسلام لغير متمسّك بسنّته وفرضه؛ وهو- أعزّ الله سلطانه- سيف الله المشهور على الذين غدوا وهم من أحكام الله مارقون، ويده المبسوطة في إمضاء الحكم بما أنزل الله: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ
«٣» .
وفي مصالح الحرمين الشريفين وثالثهما الذي تشدّ أيضا إليه الرّحال. وإقامة سبيل الحجيج الذين يفدون على الله بما منحهم «٤» من برّه وعنايته في الإقامة والارتحال.
وفي عمارة البيوت التي أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ
«٥» وفي إقامة الخطب على المنابر، واقتران اسمه الشريف مع اسمه بين كلّ باد وحاضر، والاقتصار على هذه التثنية في أقطار الأرض فإنّ القائل بالتثليث كافر؛ وفي سائر ما تشمله الممالك الإسلامية ومن تشتمل عليه شرقا وغربا، وبعدا وقربا؛ وبرّا وبحرا، وشاما ومصرا؛ وحجازا ويمنا، ومن يستقرّ بذلك إقامة وظعنا. وفوّض إليه ذلك جميعه وكلّ ما هو من لوازم خلافته لله في أرضه، ما ذكر وما لم يذكر تفويضا لازما، وإمضاء جازما، وعهدا محكما، وعقدا