وطاعته المشروطة ونواميسه المضبوطة، ولا تدبير ملك كلّيّ إلا بنا أو بولدنا يعمل، ولا سيف ولا رزق إلا بأمرنا هذا يسلّ وهذا يسأل، ولا دست سلطنة إلا بأحدنا يتوضّح منه الإشراق، ولا غصن قلم في روض أمر ونهي إلّا ولدينا ولديه تمتدّ له الأوراق، ولا منبر خطيب إلا باسمنا يميس، ولا وجه درهم ولا دينار إلا بنا يشرق ويكاد تبرّجا لا بهرجا يتطلّع من خلال الكيس.
فليتقلّد الولد ما قلّدناه من أمور العباد، وليشركنا فيما نباشره من مصالح الثّغور والقلاع والبلاد، وسنتعاهد هذا الولد من الوصايا بما سينشأ معه توءما، ويمتزج بلحمه ودمه حتّى يكاد يكون ذلك إلهاما لا تعلّما، وفي الولد بحمد الله من نفاذ الذّهن وصحّة التصوّر ما تتشكّل فيه الوصايا أحسن التشكيل، وتظهر صورة الإبانة في صفائه الصّقيل، فلذلك استغنينا عن شرحها هاهنا مسرودة، وفيه- بحمد الله- من حسن الخليقة ما يحقّق أنها بشرف الإلهام موجودة، والله لا يعدمنا منه إشفاقا وبرّا، ويجعله أبدا للأمة سندا وذخرا، إن شاء الله تعالى.
وعلى ذلك كتب القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر أيضا عن المنصور «قلاوون» عهد ولده الملك الأشرف صلاح الدين «خليل»«١» وهذه نسخته:
الحمد لله الذي لم يزل له السّمع والطاعة فيما أمر، والرضا والشّكر فيما هدم من الأعمار وما عمر، والتفويض في التعويض إن غابت الشمس بقي القمر.
نحمده على أن جعل سلطاننا ثابت الأركان، كلّ روضة من رياضه ذات أفنان، لا تزعزعه ريح عقيم، ولا يخرجه رزء عظيم عن الرّضا والتسليم، ولا يعتبط من حملته كريم إلا ويغتبط من أسرته بكريم، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تزيد قائلها تفويضا وتجزل له تعويضا، وتحسن له على الصبر