الجميل في كلّ خطب جليل تحريضا، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أنزل عليه في التسليم: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ
«١» . والنبيّ الذي أوضح به المناهج وبيّن به السّبل، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه ما تجاوبت المحابر والمنابر في البكر والأصل، وما نثرت عقود ونظمت، ونسخت آيات وأحكمت، ونقضت أمور وأبرمت، وما عزمت آراء فتوكّلت وتوكّلت فعزمت، ورضي الله عن أصحابه الذين منهم من كان للخليقة نعم الخليفة، ومنهم من لم يدرك أحد في تسويد النفس الحصيفة ولا في تبييض الصّحيفة مدّه ولا نصيفه، ومنهم من يسّره الله لتجهيز جيش العسرة فعرف الله ورسوله معروفه، ومنهم من عمل صالحا أرضى ربّه وأصلح في ذرّيته الشريفة.
وبعد، فإن من ألطاف الله تعالى بعباده، واكتناف عواطفه ببلاده، أن جعلنا كلّما وهى للملك ركن شديد شيّدنا ركنا عوضه، وكلما اعترضت للمقادير جملة بدّلنا آية مكان آية وتناسينا- تجلّدا- تلك الجملة المعترضة، فلم يحوج اليوم لأمسه، وإن كان حميدا، ولا الغارس لغرسه، وإن كان ثمره يانعا وظلّه مديدا، فأطلعنا في أفق السلطنة كوكبا سعيدا كان لحسن الاستخلاف معدّا، ومن لقبيل المسلمين خير ثوابا وخير مردّا، ومن يبشّر الله به من الأولياء المتّقين وينذر من الأعداء قوما لدّا، ولم يبق [إلا]«٢» به أنسنا بعد ذهاب الذين تحسبهم (كالسيف فردا)«٣» والذي ما أمضى حدّه ضريبة إلا (قدّ البيض والأبدان قدّا)«٤» ، ولا جهّز راية كتيبة إلا أغنى غناء الذاهبين وعدّ الأعداء عدّا، ولا بعثه جزع فقال:(كم من أخ لي صالح)«٥» إلّا لقيه ورع فقال: (وخلقت يوم خلقت جلدا)«٦» ، وهو الذي