مستخدما في ذلك سرّه وجهره، وواصلا بعوان دأبه فيه بكره؛ فمن علمه سليما في فعله، غير ظنين في أصله، متحرّيا في كسبه، مرضيّا في مذهبه، حافظا لكتاب الله سبحانه، متمسّكا من علم الشريعة بما يلوي عن مهاوي الخطإ عنانه، حاليا بالدّيانة المنيرة المطالع، حاميا نفسه عن الإسفاف إلى دنايا المطامع، حاويا من الظّلف والأمانة، والقدر والصيانة، والاحتراس والتحفّظ، والتحرّز والتيقّظ، ما تميّز به على أشكاله وأترابه، وطال مناكب أمثاله وأضرابه، فقد كملت صفاته، واقتضت تقديمه أدواته، ووجب أن يمضي كونه عدلا، ويجعله لقبول الشهادة أهلا؛ ومن رآه عن هذه الخلال مقصّرا، وببعضها مستظهرا، وكان موسوما بديانة مشكورة، ونزاهة مأثورة، رضي بذلك منه قانعا، وحكم بقوله سامعا. ومن كان عن هذين الفريقين نائيا، ولأحوالهم المبيّن ذكرها نافيا، ألغى قوله مطّرحا، وردّ شهادته مصرّحا؛ فإنّ هؤلاء الشهود أعوان الحق على انتصاره، وحرب الباطل على تتبيره وبواره، ومحجّة الحاكم إلى قضائه، ووزره «١» الذي يستند إليه في سائر أنحائه؛ فإذا أعذر في ارتيادهم، واستفرغ وسعه في انتقادهم، فقد خرج من عهدة الاجتهاد، واستحقّ من الله جزاء المجتهد يوم التّناد، ومتى غرّر في ذلك توجّهت اللائمة عليه، وكان قمنا «٢» بنسبة التقصير في الاحتياط إليه؛ والله يتولّى السرائر، ويبلو خفيّات الضمائر، قال سبحانه: مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ
«٣» . وقال اجل ذكره: سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ
«٤» .
وأمره أن يكل أمور اليتامى في أملاكهم وأموالهم، ومراعاة شؤونهم وأحوالهم، إلى الثّقات الأعفّاء، والكفاة الأتقياء، الذين لا تستهويهم دواعي