بالعدل والإحسان، وأحظت الخلائق بالأمن المديد الظلال، وأرضتهم بالعيش الرائق الزّلال، وأنالتهم من المطالب ما اتّسعت لإدراكه خطا الآمال، وجاد ففضح الغمائم، ومنّ على ذوي الذّنوب حتّى كاد يتقرّب إليه بالجرائم، وأقال عثرات كبرت فلولا كرم سجيّته لم يرم الإقالة من خطرها رائم؛ وأمدّه الله من معجزات البلاغة والبيان، وغرائب الحكم البديعة الافتنان، ما يستخفّ الأحلام بفرط الطّرب والإفتان؛ ولم يزل منذ كان يحمي سرح الدين، ويضممّ نشر المؤمنين، ويبذل نفسه الشريفة في نصرة الدولة العلويّة بذل أكمل ناصر وأفضل معين؛ وتكبر عظائم الخطوب فيكون عزمه أعظم وأكبر، وتزهى الأيام بغرّ محاسنه وهو لا يزهى ولا يتكبّر، فقد عزّ جانب كماله، عن أن يناهضه جهد المديح، وارتفع محلّ جلاله، فلا ينال تكييفه بإشارة ولا تصريح، وعظم قدر مفاخره فلم يقابل إلا بموالاة التمجيد لخالقه والتسبيح، ووجب على متصفّح خصائصه الموالاة في التعظيم، ولزوم منهج استيداع لا يبرح عنه ولا يريم، ومبالغة قوله تعالى: ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ
«١» .
فبلّغ الله أمير المؤمنين في إطالة مدّته الآمال، وأبقى لمدّته باستمرار نظره الحظّ والجمال، وفتح له المشارق والمغارب بهممه العالية وعزائمه، وجعل نواجم الإلحاد حصائد شفار صوارمه، فافخر أيّها الرجل بأصلك وفرعك كيف شيت، وابجح بما منحت منه وأوتيت، ووال شكر خالقك على ما خوّلت وأوليت؛ فما فخر بمثل فخرك ملك سميدع «٢» ، ولا تباهى الدّهر لأحد بمثل ما تباهى في حقّك ولا أبدع.
ولما تكامل لك أيّها الأجل بلوغ هذا الفضل الجسيم، وتمّ ما منحته من المجد الحادث والقديم، جدّد أمير المؤمنين لك شعار التعظيم، وكمّل لديك المفاخر تكميل العقد النظيم، وجعل الخير في إمرته لك عيانا، وأقامك للدولة