تقدم النفوذ إليهم مستنجحا دعاء أمير المؤمنين، مستنزلا لصروف الغالبين، مستشعرا لباس التقوى، في الإعلان والنّجوى، فإذا نازلتهم في عقر دارهم، فأذقهم بالمضايقة وبال أمرهم، واسلك بهم سبيل أمير المؤمنين وافتتحهم بالإرشاد، وحضّهم على ما يقضي بصلاح الدنيا والمعاد؛ فإن استقاموا وتنصّلوا وراجعوا ورجعوا فأعطهم الأمان، وأفض عليهم ظلّ الإحسان، وإن أصرّوا وتمرّدوا، وجاهدوا واعتدوا، فشمّر لمنازلتهم، وصمّم في مقاتلتهم، واثقا بأن الله تعالى قد قضى بالنصر لأولياء أمير المؤمنين وأهل طاعته، والخذلان لأعدائه وأهل معصيته، إبانة بذلك عن تأييده لمن اعتصم بحبله، ودفعه لمن انسلخ من ظلّه، وحجّة بالغة لمن تمسّك بطاعته، وموعظة شافية لمن استخفّ بحمل معصيته؛ فإن ملّكك الله تعالى البلاد، وطهّرها من أهل الفساد، وشرّد عنها الدّعار والأشرار، إلى أقاصي الدّيار، فاجبب نواعق الفتنة والضّلالة، وعفّ آثار ذوي الغيّ والجهالة، وأسبغ الأمن على أهل السّلامة، وأفرغ العدل على من سلك سبيل الاستقامة، وأجر الأمر في الخطبة لأمير المؤمنين على الرّسم المحدود، والمنهج المعهود، وطالعه بما انتهيت إليه، ليكاتبك بما تعتمد عليه.
ويضمّن هذا العهد ما يقع فيه من شروط العهد المتقدّم، ويؤمر أن لا يستصحب من الجند إلّا من يثق بإخلاصه وصفائه، ويسكن إلى أمانته ووفائه، وأن يرفض المدخول النّية، النّغل الطويّة، فإنه لا شيء أضرّ على المحاربة من لقاء عدوّ بجيش مخامرين، وجند مماكرين؛ وقد يكون في العساكر من يداهن ويظهر الخدمة وهو في مثل العدوّ: إما لأنّ بينهما سالف وداد وولاية قد تأصّلت بإطماع وإفساد، أو يكون لسلطانه قليل الإحماد. وهذا الذي أوردناه ليس بمثال جامع وإنما هو الذي يتميز به هذا العهد عما تقدّمه، والكاتب إذا احتاج إلى استعماله رتّبه وقدّم ما يجب تقديمه، وأخّر ما يجب تأخيره [وأضاف إليه ما تجب]«١» إضافته؛ إن شاء الله تعالى.