الحمد لله، الموفّق إلى دواعي رضاه، المحسن العون على ما أوجب المزيد من إفضاله واقتضاه، المثيب على ما هدى إليه من طاعته، القابل عمل من استنفد في الشكر أقصى طاقته، المتكفّل بمصالح عباده، المولي من مواهبه ما تعجز الخواطر والألسنة عن تعداده، وصلّى الله على جدّنا محمد الذي جعل اتّباعه سبيلا إلى سكن جنّات الخلود، وآلت بهداه نار الكفر إلى الهمود والخمود، وأنقذ من مهاوي الضّلال، ووسم من حادّه وحاد عن سبيله بالصّغار والإذلال، وخلّف في أمّته الثقلين كتاب الله وعترته، وأبقى بهما فيهم آيته وهدايته، وعلى أخيه وابن عمّه أبينا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب مبرم أسباب الشريعة ومحكمها، ومطلق سيوفه في نفوس أعداء الملة ومحكّمها، وباب مدينة علم النّبوة التي لا يدخل إليها إلّا منه، وسيد من عناهم الله بقوله: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ*
«١» وعلى آلهما الأئمة الهداة قوّام الإسلام، وساسة الأنام، وخلفاء الله في أرضه، والموفين بعهده والآمرين بأداء سنّته وفرضه، وركن العصمة الذي من لجأ إليه نجا، والحصن الذي ما خاب من أمّه فرجا منه فرجا، وسلّم وعظّم، ووالى وكرّم.
وإنّ أمير المؤمنين- لما أودعه الله إيّاه من أسرار الحكمة، واجتباه له من إمامة الأمّة، واختاره له من كلاءة الخليفة وإيالتها، وحفظ حوزتها من المخاوف ورعايتها، وما خصّه به من بنوّة النبوّة والرّسالة، وأفرد به رأيه من الجزالة والأصالة، واكتنف به أنحاءه من التوفيق الذي لا يصدف عن غرض الإصابة ولا يحيد، وعضّده به من التأييد القاضي لعزائمه ببلوغ الغرض في نصرة التوحيد، واستودعه إياه من الإقبال الذي يجعل المستحيل لمراده إمكانا، والتأييد الذي أوضح به لإمامته برهانا، وتوحّده به من العصمة التي تصيب بها مراميه مواقع الرّشاد، وتضمن الخيرة لما يعانيه من الأمور مما سدّ وساد- يعمل خواطره فيما يكفل للنفوس برضاها، ويجزل للدّين والدنيا به حظاها، وتتظاهر به ضروب الصلاح على