يحظ بأيامه النيّرة غير الطائع المخلص، ولم ينفق للباطل سوق، وأتت سيرته بما يرضي الخالق والمخلوق؛ فالله تعالى يجعل مدّته غير متناهية إلى مدى، والنصر والتوفيق لآرائه مددا، ويخلّد أبدا سعده، وينجز لأمير المؤمنين على يده وعده.
ولما كانت منزلته عند أمير المؤمنين المنزلة التي تتطامن دونها المنازل والرّتب، وجلّت أن ينالها أحد ممن بعد أو قرب، وأفعاله قدوة يهتدى بأمثالها في الشّكوك، وسيرته قد عظمت عن أن تتعاطى مماثلتها همم الملوك، ومحلّه عنده من الكمال بحيث تستحكم الثّقة باختياره، ويرجع في عقد الأمور وحلّها إلى اتّباع آثاره وموافقة إيثاره، وكانت مراتب الأولياء عند أمير المؤمنين بحسب مراتبهم من قربه، وموضعهم من رضاه مضاهيا لموضعهم من قلبه، ومكانهم من الحظوة لديه مناسبا لمكانهم من الزّلفة عنده، وأحقّهم بسناء الرّتب من أقبسه زنده وكساه مجده، ولا سيّما من لم يخرج منه عن حكم الولد، وحلّ منه محلّ القلب من الكبد، ونشأ في دوحته غصنا نضيرا، وطلع في سماء جلاله قمرا منيرا، واعتلى بجدّه، وقطع بحدّه، وتظاهرت شواهد سعده في مهده؛ وكنت أيها الأمير الحاوي لهذا الفضل المبين، المعتلق من ولاء أمير المؤمنين بالحبل المتين، الذي نشأ متوقّلا في درج المعالي، وغدا متقيّلا في ظلال الصّوارم والعوالي، وأخذت بمراشد السيد الأجلّ العادل فزدت عن الظّنون وأوفيت، ووعدت عنك فصدّقت ضمانها ووفّيت، وما زلت بعين الإجلال والتعظيم ملموحا، وبأفضل خلال الرّؤساء ممنوحا، ولجلائل المراتب مؤهّلا، وبلسان الإجماع مفضّلا، ولما أعيا من أدواء النّفاق حاسما، وفي مواقف المخاوف رابط الجأش حازما، ولما يعدّ الأماجد له مذخور المضاء، وفيما تعانيه وتلابسه موفّق الآراء؛ وقد اكتنفك من اتّباعك هدي السيد الأجل العادل- أدام الله قدرته وولاءه- ناصر الدين، الأجل المظفّر المقدّم الأمين، سيف الإمام، ركن الإسلام، شرف الأنام، فخر الملوك، مقدّم الجيوش، ذي الفضائل، خليل أمير المؤمنين، أبي الفضائل عبّاس «١»