الحمد لله شافي عيّ البحث بخير إمام شافعيّ، والآتي منه في الزّمن الأخير بمن لو كان في الصّدر الأوّل لأثنى على ورعه ودينه كلّ صحابيّ وتابعيّ، ومفيد الأسماع من وجيز قوله المحرّر ما لولا السبق لما عدل إلى شرح وجيز سواه الرافعيّ.
نحمده على نعم ألهمت وضع الأشياء في محلّها، واستيداعها عند أهلها، وتأتّيها بما يزيل الإشكال بانجذاب من شكله مناسب لشكلها.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يتزيّن بها المقال، ويتبيّن بها الحقّ من الضّلال، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله ونبيّه موضّح الطّرق إلى الحق المبين، وناهجها إلى حيث مجتمع الهدى ومرتبع الدّين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة تهدي إلى صراط الّذين، ورضي الله عن أصحابه، الذين منهم من جاء بالصّدق وصدّق به فقوي سبب الدين المتين، ومنهم من فرق «١» بين الحق والباطل وكان إمام المتقين وسمّيّ أمير المؤمنين، ومنهم من جهّز جيش العسرة فثبّت جأش المسلمين، ومنهم من أعطاه صلّى الله عليه وسلّم الراية فأخذها منه باليمين، ورضي الله عن بقيّة الصحابة أجمعين.
وبعد، فلما كان مذهب الإمام الشافعي «محمد بن إدريس» رضي الله عنه هو شهدة المتلفّظ، وكفاية المتحفّظ، وبهجة المتلحّظ وطراز ملبس الهدى، وميدان الاجتهاد الذي لا تقف أعنّة جياده عن إدراك المدى؛ وقد تجملت ديار مصر من بركة صاحبه بمن تشدّ إليه الرّحال، وتفخر جبّانة هو فيها حالّ، وجيد هو بجواهر علومه حال، ومن يحسن إلى ضريحه المنيف الاستناد، وإذا قرئت كتبه لديه قيل ما أبعد هذا المرمى الأسنى! وما أقرب هذا الإسناد!، وما أسعد حلقة تجمع بين يدي جدثه يتصدّر فيها أجلّ حبر، ويتصدّى لنشر العلوم