الوفاق، وإذا ولي هذا المنصب ابتهج بولايته إيّاه مالك في المدينة وأبو حنيفة وأحمد رضي الله عنهم في العراق، واهتزّت به وبمجاورة فوائده من ضريح إمامه جانب ذلك القبر طربا، وقالت «الأمّ» لقد أبهجت- رحم الله سلفك- بجدّك وإبائك جدّا وأبا، ولقد استحقّيت أن يقول لك منصب سلفك رضي الله عنهم: أهلا وسهلا ومرحبا، وهذه نسمات صبا، كانت الإفادة هنالك تعرفها منك من الصّبا.
فالحمد لله على أن أعطى قوس ذلك المحراب باريها، وخصّ بشقّ سهامها من لا يزال سعده مباريها، وجمّل مطلع تلك السماء ببدر كم باتت عليه الدّرر تحسد دراريها، وألهم حسن الاختيار أن يجري القلم بما يحسن بالتوقيع الشريف موقعه، ويجمل في أثناء الطروس وضعه وموضعه.
فرسم بالأمر الشريف العاليّ المولويّ، السلطانيّ:- أجراه الله بالصواب وكشف بارتيائه كلّ ارتياب، ولا زال يختار وينتقي للمناصب الدّينيّة كلّ عالم بأحكام السنّة والكتاب- أن يفوّض إليه تدريس المدرسة الصلاحيّة الناصريّة المجاورة لضريح الإمام الشافعيّ بالقرافة رضي الله عنه. فليخوّل ولينوّل كلّ ذي استفادة، وليجمّل منه بذلك العقد الثمين من علماء الدّين بأفخم واسطة تفخر بها تلك القلادة، وليذكر من الدروس ما يبهج الأسماع، ويرضي الانتجاع، ويجاد به الانتفاع، ويحتلبه من أخلاف الفوائد ارتضاء الارتضاع، ويتناقل الرّواة فوائده إلى علماء كل أفق من البقاع، وليقل فإنّ الأسماع لفوائده منصتة، والأصوات لمباحثه خاشعة والقلوب لمهابته مخبتة «١» ، ولينهض قويّ المسائل بما يحصّل لها أعظم انتعاش، وليمت ما أماته إمامه من البدع فيقال به له: هذا محمد بن إدريس مذ قمت أنت عاش، وليسمع بعلومه من به من الجهل صمم، وليستنطق من به من الفهاهة «٢» بكم، وليحقّق عند الناس