الودّ فلم يرعوا حقه وأضاعوه؛ فهم آفة أبواب القضاة بلا نزاع، كيف وهم الضّباع الضّارية والذّئاب الجياع. وما تحت نظره من أوقاف المدارس والأسرى والصّدقات، وغيرها مما يقصد به واقفوه وجه البر وسبيل القربات، يحسن النظر في وجوه مصارفها، مع حفظ أحوالها الّذي هو أغيا مراد واقفها.
وأهل العلم أبناء جنسه الذين فيهم نشأ ومنهم نجم، وجنده الذين يقصدونه بالفتاوى فيما قضى وحكم، فليوفّر لهم الإحسان، ويصنع معهم من المعروف ما يبقى ذكره على ممرّ الأزمان؛ ومثله لا يحتاج إلى كثرة الوصايا، وثوقا بما عنده من العلم بالأحكام والمعرفة بالقضايا؛ لكن عليه بتقوى الله ومراقبته يكن له مما يتبوّءه ظهيرا، ويسترشده في سائر أموره يجعل له من لدنه هاديا ونصيرا؛ والله تعالى يبلّغ واثق أمله من كرمنا مراما، ويوطّيء له المهاد ببلد حسنت مستقرّا ومقاما، إن شاء الله تعالى.
وهذه نسخة توقيع بقضاء قضاة المالكية بالشام، من إنشاء الشيخ شهاب الدّين محمود الحلبيّ تغمّده الله برحمته، وهي:
الحمد لله جاعل المذاهب الشّرعيّة في أيامنا الشريفة زاهية بأركانها الأربعة «١» ، مستقرّة على النّظام الّذي غدت به قواعد الحجّة محكمة ومواقع الرحمة متّسعة، فإذا خلا ركن من مباشرة أقمنا من تكون القلوب على أولويّته مجتمعة، وانتقينا له من الأتقياء من تغدو به الأمّة حيث كانت منتفعة، واستدعينا إليه من تغدو الأدعية الصالحة لنا بتفويض الحكم إليه مرتفعة، الّذي خصّ مذهب «إمام دار الهجرة»«٢» بكل إمام هجر في التّبحّر فيه دواعي السّكون