وبواعث الدّعة، وجمّل منصب حكمه بمن كمل بعلوم الدين فخره فإذا حكم غدت الأقضية لحكمه منفّذة وإذا قضى أضحت الأحكام لأقضيته متّبعة.
نحمده على نعمه التي جعلت مهمّ الشّرع الشريف لدينا كالاستفهام الّذي له صدر الكلام، وبمثابة النّيّة المقدّمة حتّى على تكبيرة الإحرام، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أثبت الإخلاص حكمها، وأحكم الإيمان علمها، وأبقى اليقين على صفحات الوجوه والوجود وسمها المشرق واسمها، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الّذي أخذ الله ميثاق النّبيين في الإقرار بفضله، وأرسله بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ*
«١» ، وخصّه بالكتاب الذي أخرس الأمم عن مجاراته فلو اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ
«٢» ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين تمسكوا بسننه وسنّته، وأوضحوا شرعه الشريف لمن تلقّاه بعدهم من أئمة أمته، صلاة لا تزال بقاع الإيمان لأحكامها منبتة، وأنواء الإيقان لأوامها مقلتة «٣» ؛ وسلّم تسليما كثيرا.
وبعد، فإنه لما كانت الأحكام الشرعية تتوقف على ملاحظة قضاء قضاتها في غالب الأمور، وتستند إلى مراجعة أصول حكّامها في أكثر مصالح الجمهور، لم يكن بد من مراعاة أصولها الّتي إنّما تنوب الفروع عنها، وتدبّر أحوال أحكام حكّامها الّتي تنشأ أقضية النوّاب منها؛ ولذلك لمّا أصبح منصب قضاء القضاة على مذهب الإمام «مالك بن أنس» رضي الله عنه بالشّام المحروس لضعف مباشره الممتدّ، في حكم الخالي، وتعطل بعجزه المشتدّ، مما ألف به قديما حال حكمه الحالي، وتمادى ذلك إلى أن ترقّى الناس منه إلى درجة اليقين، وتناهى الحكم فيه إلى أن يعين أن يرتاد من يتعين لمثله من الأئمّة المتّقين، لئلا يخلو