الأيّام طامعا، فلذلك بادر منبره المنيف وحلّ له حقوته «١» مسارعا؛ ووطّأ- لامتطائه إيّاه- صهوته، وغفر للدّهر بهذه الحسنة الجميلة فيما سلف منه هفوته، وعلم أنّه الخطيب الذي استقرّ يطالع المنابر من خطبته بما يفجّر من العيون منابع المدامع، ويشوّق إلى الآخرة من ألفاظ يشنّف بها المسامع، وأنّ قسّا لا يقاس به في خطبه وعظاته، وأنّ سحبان يودّ من خجله أن يسحب ذيله على مآثره المأثورة عنه ليعفّي آثار فلتات كلماته ولفتات لفظاته.
فليباشر هذه الوظيفة المباركة بالله تعالى مذكّرا، ولما أمر عباده ونهاهم عنه على أسماعهم مكرّرا، ويعلم أنّه في المحراب مناج لربه، واقف بين يدي من يحول بين المرء وقلبه؛ فليعتصم بالله عزّ وجلّ في قوله وفعله، ويتيقّن أنّ الكلمة إذا خرجت من قلب لا تقع إلا في مثله.
وفي إحاطة علمه المشهور، وفضله المشهود المشكور، ما يغني عن وصيّة بها يتذكّر، وتذكرة في صحيفة فكره ترقم وتسطّر؛ وليوصّل إليه معلومه على هذه الوظيفة الشاهد به الديوان المعمور، وليوفّر خاطره من التّبذّل في تحصيل معلومه الجاري له وطلبه، وليعامل بما يليق من الإجلال والإعظام بوظيفته الشّريفة والمحلّ العالي الرّفيع من منصبه؛ والعلامة الكريمة أعلاه، حجّة بمقتضاه، إن شاء الله تعالى.
وهذه نسخ تواقيع لأرباب الوظائف الديوانية بطرابلس:
نسخة توقيع بشهادة الجيوش بطرابلس، كتب به للقاضي بدر الدين «محمد بن الفرفور» ، ووالده يومئذ ناظر الجيوش بها، ب «المجلس العالي» ؛ وهي: