للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نالوا بها من أعاديهم وإن بعدوا ... ما لم ينالوا بحدّ المشرفيّات!

فقلت: كأنّك تريد كتابة الإنشاء دون سائر الكتابات، وهي التي تقصدها بالتّصريح وتشير إليها بالكنايات؛ فقال: وهل في أنواع الكتابة جملة نوع يساويها، أو في سائر الصّنائع على الإطلاق صنعة تضاهيها؟ إنّ لها للقدح المعلّى، والجيد المحلّى، والذّروة المنيفة، والرّتبة الشّريفة؛ كتّابها أسّ الملك وعماده، وأركان الملك وأطواده، ولسان المملكة النّاطق، وسهمها المفوّق الرّاشق؛ ولله حبيب بن أوس الطّائيّ «١» حيث يقول:

ولضربة من كاتب ببنانه ... أمضى وأقطع من رقيق حسام!

قوم إذا عزموا عداوة حاسد ... سفكوا الدّما بأسنّة الأقلام!

قلمها يبلّغ الأمل، ويغني عن البيض والأسل؛ به تصان المعاقل، وتفرّق الجحافل:

فلكم يفلّ الجيش وهو عرمرم ... والبيض ما سلّت من الأغماد!

فقلت: إن كتّاب الأموال يزعمون أن لهم في ذلك المقام الأعلى، والطّريقة المثلى، ويستشهدون لفضلها، وتقدّم أهلها، بقول الإمام أبي محمد القاسم الحريريّ، رحمه الله، في مقاماته «٢» :

«إنّ صناعة الحساب مبنيّة «٣» على التّحقيق، وصناعة الإنشاء مبنيّة على التّلفيق، وقلم الحاسب ضابط، وقلم المنشيء خابط «٤» ؛ وبين إتاوة توظيف المعاملات، وتلاوة طوامير السّجلّات، بون لا يدركه قياس، ولا يعتوره التباس؛ إذ الإتاوة تملأ الأكياس، والتّلاوة تفرّغ الرّاس، وخراج

<<  <  ج: ص:  >  >>