قريب القرية المعروفة بريّان «١» ، وهذه القرية قريب الكهف والرّقيم حقيقة، لا ما يقال: إنه قريب حسبان من بلاد البلقاء، وقريبا منه صلد من الصّفا عليه كتابة بالرّوميّة أو غيرها من الخطّ القديم، وأما القرية المذكورة المسماة بريّان فإنّ بيوتها بنيت حول سنّ جبل قائم كالهرم إلا أنّه ملموم، وعمّرت البيوت في سفحه حوله بيتا فوق بيت فبدت كأنّها مجرّة النّجوم، وما من بيت منها إلا وبه مقاعد ذوات درابزينات منجورة، ورواشن «٢» قد بدت في أكمل صورة، يختمها من أعلاها أحسن بنيان، ويعلوها من رأسها منزل مسنّم الرأس كما يعلو الصّعدة السّنان، وتطوف بهذه القرية جبال كأنّها أسوار بل سوار، وكأنّها في وسطها إناء فيه جذوة نار؛ ويتفرّع منها أنهار، هي في تلك الأودية كأنّها بهبوطها كثيب قد انهار؛ ذوات قناطر لا تسع غير راكب، ومضايق لا يلفى عبرها لناكب؛ قدّر الله أنّ العساكر خلصت منها ولكن بعد مقاساة الجهد، وخرجت وقد رقّ لها قلب كلّ وهد؛ ونزلنا قريبا منها حتّى تخلّص من تخلّص، وحضر من كان في المضايق قد تربّص، وقال: كلّ الأرض حصحص «٣» .
ورحلنا من هناك في يوم الأحد ثاني عشر شهر ذي القعدة وكانت السماء قد حيّت الأرض بتيجان أمطارها، وأغرقت الهوامّ في أحجارها، والفتخ «٤» في أوكارها؛ وأصبحت الأرض لا تتماسك حتّى ولا لمرور الأراقم، والجبال لا تتماسك أن تكون للعصم عواصم؛ تضع بها من الدّواب كلّ [ذات]«٥» حمل، وتزلق في صقيلها أرجل النّمل؛ وسرنا على هذه الحالة نهارنا كلّه إلى