قريب الغروب، وقطعناه بتسلّمنا أيدي الدّروب من أيدي الدّؤوب، ونزلنا عشاء في منتقع أرض تطوف بها جبال شاهقة، ومياه دافقة، تعرف قاعة تلك الأرض بوطأة (قشلا وسار)«١» من أعمال أصاروس العتيق؛ ويقرب من تلك الجهة معدن الفضّة.
وبينما نحن قد شرعنا في أهبة المبيت، ولم نقض الشّمل الشّتيت «٢» ؛ وإذا بالصّادح قد صدح، والنّذير قد سنح، رافعا عقيرته بأن فوجا من التّتار في فجوة هنالك قد استتروا، وفي نجوة لغرّة قد انتظروا؛ فركب مولانا السلطان وركب الناس في السّلاح، وعزموا على المطار فعاقهم تتابع الغيث وكيف يطير مبلول الجناح؟؛ ثم لطف الله وعاد مولانا السلطان وهو يقول للناس:
لا بأس؛ فنمنا نومة السّليم «٣» ، وصدرت أفكارنا شاغرة في كلّ واد تهيم، وأصبحنا فسلكنا جبالا لا يحيط بها الوصف، وتنبسط عذراء الطّرف فيها حين يكبو فيها الطّرف؛ ننحطّ منها إلى جنادل، يضعف عن الهويّ إليها قويّ الأجادل؛ بينا نقول: قد أحسن الله لها نفادا ومنها نفاذا؛ وإذا بعد الأودية أودية وبعد الجبال جبال نشكر عند ذاك هذه وذاك عند هذا؛ ومررنا على قرية «أوتراك» ، وتحتها قناطر وخان من حجر منحوت، ثم خان آخر للسّبيل على رأس رابية هناك تعرف باشيبدي «٤» ، قريبا من حصن سمندو، التي عرّض بها أبو الطّيّب في قوله:
فإن يقدم فقد زرنا سمندو ... وإن يحجم فموعده الخليج!
وكان مولانا السلطان قد سيّر إليها خواصّه بكتاب إلى نائبها فقبله