وقبّله، وأذعن لتسليم حصنها المنيع وللنّزول لأمر السلطان عنها إن استنزله؛ فشكر مولانا السلطان له تلك الإجابة، ووفّاه من الشّكر حسابه. وكذلك [والي]«١» قلعة دوندا [ووالي]«٢» دوالوا، فكلّهم أجابوا وأطاعوا ولكلمة الإذعان قالوا؛ ونزلنا في وطأة قريب قرية تعرف بحمرها، وكان الناس قد فرغت علوفات خيلهم أو كادت، والخيل قد باتت ليالي بلا عليق فما استفادت، وشاركتها خيول الكسوب (؟) في عليقها، وما ساعدتها في طروقها ولا في طريقها، فضعفت عن حمل نفوسها فما ظنّك براكبيها؛ وكاد الفارط- لولا لطف الله عزّ وجلّ- أن يفرط فيها؛ فصادفنا في هذه اللّيلة بعض أتبان أمسكت أرماقها، وأحسنت إرفادها وإرفاقها.
وأصبحنا في يوم الثلاثاء رابع عشر ذي القعدة راحلين في جبال كأنها تلك الأول، وهابطين في أودية يتمنّى سالكها من شدّة مضايقها أن لو عاد إلى ترقّي أعلى جبل؛ وما زلنا كذلك حتّى أشرفنا على خان هناك يعرف بقرطاي يدلّ على شرف همّة بانيه «٣» ، وطلب ثواب الله فيه؛ وذلك أنه من أكبر الأبنية سعة وارتفاعا، وأحسنها شكلا وأوضاعا؛ كلّه مبنيّ بالحجر المنحوت المصقول الأحمر الذي كأنّه رخام، ومن ظاهر أسواره وأركانه نقوش لا يتمكن أن يرسم مثلها بالأقلام؛ وله خارج بابه مثل الرّبض ببابين بأسوار حصينة، مبلّط الأرض، فيه حوانيت. وأبواب الخان حديد من أحسن ما يمكن استعماله، وداخله أواوين صيفيّة، وأمكنة شتويّة، وإصطبلات على هذه الصورة لا يحسن الإنسان أن يعبّر عنها بكيف، وما منها إلا ما يجده الإنسان رحلة للشّتاء والصّيف؛ وفيه الحمّام والبيمارستان والأدوية والفرش والأواني والضّيافة لكلّ طارق على قدره، حمل لمولانا السلطان من ضيافته