لمّا مرّ عليه، وكثر الناس فما وصل أحد إليها ولا إليه؛ وعليه أوقاف عظيمة، وضياع كثيرة حوله وفي غيره من البلاد، وله دواوين وكتّاب ومباشرون يتولّون استخراج أمواله والإنفاق فيه؛ ولم يتعرّض التّتار إلى إبطال شيء من رسومه، وأبقوه على عوائد تكريمه؛ وأهل الرّوم يبالغون في تبجيل بانيه- رحمه الله- وتعظيمه؛ ونزلنا تلك اللّيلة قريب قرية تقرب من قيصريّة من حقوق وادي صلعومة شرقيّ الجبل المعروف بعسيب، وفيه قبر امريء القيس الشاعر، [وهو الذي يقول فيه] :
أجارتنا «١» إن الخطوب تنوب ... وإنّي مقيم ما أقام عسيب
أجارتنا إنّا غريبان ها هنا ... وكلّ غريب للغريب نسيب!!
وهذا الجبل يعلوه جبل «أرجاس» ، وهو الذي يضرب الرّوم الأمثال بتساميه، وتتضاءل الجبال في جميع الدّنيا لتعاليه؛ لا تسحب ذيول السّحائب إلا دون سفحه، ولا يعرف من ثلوجه شتاء وصيفا ومن مثال الأبخرة المتصعّدة منه عشاؤه من صبحه.
ولما كان يوم الأربعاء منتصف ذي القعدة، وهو يوم شرف الزّهرة ركبت العساكر المنصورة مترتبة، وملأت الفضاء متسرّبة؛ وركب مولانا السلطان في زمرته، وذوي أمره وإمرته، يختال جواده في أفسح ميدان، ويصيح به فرحا ومرحا كأنّه نشوان درى أنه سلطان:
تظلّ ملوك الأرض خاشعة «٢» له ... تفارقه هلكى وتلقاه سجّدا!
وخرج أهل قيصرية وأكابرها، وعلماؤها وزهّادها وتجّارها، ورعاياه ونساؤها وصغارها، فأكرم مولانا السلطان ممشاهم، وشكر مسعاهم، وتلقّى قضاتهم وعلماءهم ركبانا، وحادثهم إنسانا فإنسانا؛ وحصلت لجماعة من