الفقراء والناس حالات وجد مطربة، وصدحات ذكر معجبة. وكان دهليز السلطان غياث الدّين صاحب الرّوم وخيامه وشعار سلطنة الرّوم قد بني جميع ذلك في وطأة قريب الجوسق والبستان المعروف بكيخسرو، وترجّل النّاس على اختلاف طبقاتهم في الرّكاب الشّريف من ملك وأمة ومأمور وأمير، وارتفعت الأصوات بالتّهليل والتّكبير:
رجا الرّوم من ترجى النّوافل كلّها ... لديه ولا ترجى لديه الطّوائل!
ونزل مولانا السلطان في تلك المضارب المعدّة لكرم الوفادة، وضربت نوبة سلجوق على باب دهليزه على العادة؛ وأذن مولانا السلطان للناس في التقرّب إلى شريف فسطاطه، وشملهم بنظره واحتياطه؛ وحضر أصحاب الملاهي، فما ظفروا بغير النّواهي، وقيل لهم: ارجعوا وراءكم فالتمسوا، واذهبوا إلى واد غير هذا الوادي فاقتبسوا؛ فهذه الهناة لا تنفق هنا، وما هذا موضع الغناء بل هذا موضع الغنى؛ وشرع مولانا السلطان في إنفاق اللهى «١» ، وعيّن لكلّ جهة شخصا وقال: أنت لها؛ وحكم وحكّم، وعلم وعلّم؛ واعتمد على الأمير سيف الدّين جاليش في النّيابة، وأعطى كلّا بيمينه كتابه، [وكتب إلى أولاد قرمان، أمراء التركمان، وهم ألوف، وما فيهم للتتار ألوف، وأكّد عليهم في الحضور]«٢» ، وأقام الحجّة على من انتزح بالاستعطاف، وتأمين من خاف، فما خرج كبيرهم «٣» عن المخاتلة، ولا زعيمهم عن المطاولة؛ فلمّا علم مولانا السلطان أنهم لا يفلحون، ولغير التّتار لا يصلحون، وأنّهم إن أصبحوا على الطاعة لا يمسون وإن أمسوا لا يصبحون، عاد عن تلك الوعود، واختار أن ما بدأ إليه يعود، وأن يبعث نفسه إلى ما بعثه الله إليه من المقام المحمود، فركب يوم الجمعة سابع عشر ذي