السلطان منتظرا ما إليه به يشار؛ وشرع القرّاء يقرأون جميعا وفرادى بأحسن تلحين، وأجمل تحسين، فأتت أصواتهم بكلّ عجيب، وعدلوا عن التّرتيل إلى الترتيب. ولما فرغوا شرع أمير المحفل صارخا، وبكور فمه نافخا، فأنشد وأورد بالفارسيّة «١» ما يعجب مدلوله، ويهول مقوله؛ وأطال وما أطاب، واستصوب من يعرف مقاله قوله، والله أعلم بالصواب.
ولما «٢» انقضى ذلك مدّ سماط ليس يناسب همم الملوك، فأكل الناس منه للشّرف لا للسّرف، ثم عاد كلّ منهم إلى مقامه فوقف؛ وقام مولانا السلطان إلى مكان الاستراحة فأقام ساعة أو ساعتين، ثم خرج إلى مخيّمه قرير العين؛ وكان بدار الملك حرم السّلجوقية قد أصبحوا لا ترى إلا مسكنتهم ومساكنهم، قد نبت بهم مواطئهم ومواطنهم؛ على أبوابهم أسمال ستور من حرير، ومشايخ خدّام يستحقّ كلّ منهم- لكبر سنّه- أن يدعى بالكبير؛ عليهم ذلّة الانكسار، وأماير الأفتقار؛ فجبرهم مولانا السلطان وآنسهم، وأحسن إليهم؛ وتوجّه من توجّه إلى صلاة الجمعة في قيصريّة وبها سبع جمع تقام، وبها خطباء إن هم إلا كالأنعام؛ فصلّينا في جامع السّلطان وهو جامع عليّ يدلّ على احتفال ملوكها ببيوت عباداتهم، ورأينا فيه من دلائل الخير ما يقضي بحسن إراداتهم؛ فحضر أهل المدينة وأكابرها، وجلسوا حلقا لا صفوفا، وأجروا من البحث بالعجميّة صنوفا، واجتمعت جماعة من حفظة الكتاب العزيز فتخارجوا القراءة آية آية، وهي قراءة بعيدة عن الدّراية؛ بل إنها تبرزها أصوات مترنّمة، وألحان لتفريق الكلمات مقسّمة، ينطقون بالحروف كيف اتّفقت، ولا يتوقّفون على مخارج الحروف أنها بها نطقت أو لا نطقت.
فلما آن وقت الأذان قام صبيّ عليه قباء من وسط جماعة عليهم أقبية قعود على دكّة المؤذّنين، فابتدأ بالتّكبير أوّلا وثانيا بمفرده من غير إعانة ولا