إبانة. ولما تشهّد ساعدوه جميعهم بأصوات محمحمة ملعلعة، ونغمات متنوّعة؛ يمسكون له النّغم بأحسن تلحين، ويترنّمون بالأصوات إلى آخر التّأذين؛ وفرغ الأذان وكلّهم قعود ما منهم أحد غير الصّبيّ وقف، وما منّا أحد لكلمة من الأذان عرف؛ ولما فرغ الأذان طلع شيخ كبير السّنّ يعرف بأمير محفل المنبر، وشرع في دعاء لا نعرفه، وادعاء لا نألفه: كأنّه مخاصم، أو وكيل شرع أحضره لمشادّة خصمه محاكم بين يدي حاكم؛ وطلع الخطيب بعد ذلك فخطب ودعا لمولانا السلطان بغير مشاركة، ودعا الناس بما تلقّته من الأفواه الملائكة؛ وانقضت الجمعة على هذه الصّورة المسطورة؛ وضربت السّكّة باسم مولانا السلطان، وأحضرت الدّراهم إليه في هذا اليوم، فشاهدها فرأى أوجهها باسمة باسمه الميمون، وأقرّت الألسنة بهذه النعمة وقرّت العيون؛ وشاهدت بقيساريّة مدارس وخوانق وربطا تدلّ على اهتمام بانيها، ورغبتهم في العلوم الشّرعية والدّينية، مشيدة بأحسن الحجار الحمر المصقولة المنقوشة، وأراضيها بأجمل تلك مفروشة، وأواوينها وصففها مؤزّرة بالقاشانيّ الأجمل صورة، وجميعها مفروشة بالبسط الكرجيّة والعالية، وفيها المياه الجارية، ولها الشّبابيك على البساتين الحسنة، وسوق قيصريّة طائف بها من حولها، وليس داخل المدينة دكّان ولا سوق.
والوزير في بلاد الرّوم جميعها يعرف بالصّاحب «فخر الدّين خواجا عليّ» ولا يحسن الكتابة ولا الخطّ، وخلعته من مماليكه خاصّة مائتا مملوك، ودخله في كلّ يوم- غير دخل أولاده وغير الإقطاعات التي له ولأولاده وخواصّه- سبعة آلاف درهم سلطانية. ولقد شاهدت في مدرسته من خيامه وخركاواته شيئا لا يكون لأكبر الملوك، وله برّ ومعروف، وهو بالخير موصوف:
والمسمّون بالوزير كثير ... والوزير الذي لنا المأمول!