للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قسمتها، ومخضت لها الرّأي الصائب حتّى ظهرت في الوجود زبدتها؛ فكان خلاصة اصطفائهما، وزبدة انتقائهما، المقرّ الأشرف، العاليّ، المولويّ، القاضويّ، الكبيريّ، السّفيريّ، المشيريّ، الفتحيّ، نظام الممالك الإسلامية وزمام سياستها، ومنفّذ أمورها، وجامع رآستها؛ أبو المعالي فتح الله صاحب دواوين الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية، زاد الله تعالى في ارتقائه على تعاقب الدّول، وأجراه من خفيّ اللّطف على أجمل العوائد وقد فعل، فألقي إليه من أسرار المملكة مقاليدها، واتّفقت بحسن سفارته باتّفاق الرّواة أسانيدها، فنفذت بتنفيذه أمورها، وكملت بصحيح رأيه كسورها، فجرت الأمور بحسن تدبيره على السّداد، ومشت الأحوال بلطف سفارته على أتمّ المراد، واعترفت له الكافّة بالسّيادة فأطاعت، وعرفت له الرّعية تقدّمه في الرآسة فرعت حرمته وراعت.

وإنّ أمور الملك أضحى مدارها ... عليه كما دارت على قطبها الرّحى!

قد استعبد الخطّ فأصبح له كالخديم، وأتى من المعروف بكلّ غريب فأنسى من أثر عنه ذلك في الزّمن القديم؛ فلو رآه «خالد بن برمك» لأحجم عن ملاقاته عظما، أو ناوأه «يحيى بن خالد» لمات من مناوأته عدما، أو سابقه «الفضل وجعفر» ابناه لسبقهما كرما:

مناقب لو أنّي تكلّفت نسخها ... لأفلست في أقلامها ومدادها!

أو سمع به «الحسن بن سهل» لقطع إليه الحزن والسّهل، أو بصر به «الفضل» أخوه، لما رأى أنه للفضل أهل، أو عاينه «أبو عليّ بن مقلة» لعلم أنه فاقه حظّا وخطّا، أو نظر «ابن هلال» إلى أهلّة نوناته لتحقّق أنه سبقه إلى تحرير هندسة الحروف وما أخطا:

إذا أخد القرطاس خلت يمينه ... تفتّح نورا أو تنظّم جوهرا!

فإن تكلّم أتى من بيانه بالسّحر الحلال، أو حاور أتى من البلاغة بما

<<  <  ج: ص:  >  >>