فمناقبه تسبق أقلام الكاتب، وتستغرق طاقة الحاسب؛ لسس لارتفاعها غاية، ولا لتداولها نهاية؛ فلا توفي جامعة بشرطها، ولا تقوم جريدة ببسطها:
وقد وجدت مكان القول ذا سعة ... فإن وجدت لسانا قائلا فقل!
قد هتف بمدحه خطباء الأقلام على منابر الطّروس، ونطقت بفضله أفواه المحابر فنكّست لرفعة قدره شوامخ الرّؤوس، وطلعت في أفق المهارق سعود إيالته السعيدة فأفلت لوجوده النّحوس، ورقمت محاسنه بنقس اللّيل على صفحات النّهار فارتسمت، وحملت أخبار معروفه فتزاحمت الآفاق على انتشاق أرج ريحه العبقة واستهمت:
لقد كرمت في المكرمات صفاته ... فما دخلت لاء عليها ولا إلّا!
اتّفقت الألسنة على تقريضه فمدح بكلّ لسان، وتوافقت القلوب على حبّه فكان له بكلّ قلب مكان، واستغرقت ممادحه الأزمنة والأمكنة فاستولى شكره على الزّمان والمكان:
ولم يخل من إحسانه لفظ مخبر ... ولم يخل من تقريضه بطن دفتر!
على أنّي أستقيل عثرتي من التّقصير في إطرائه، والتّعرّض من مدحه لما لا أنهض بأعبائه؛ فلو أن «الجاحظ» نصيري، و «ابن المقفّع» ظهيري، و «قسّ بن ساعدة» يسعدني، و «سحبان وائل» ينجدني، و «عمرو بن الأهتم» يرشدني، لكان اعترافي بالعجز في مدحه أبلغ مما آتيه، وإقراري بالتّقصير في شكره أولى مما أصفه من توالي طوله وأياديه: