فقال «علم الهندسة» : إن فضلك لمشهور، ومقامك في الشّرف غير منكور؛ إلا أن آلاتك بي مقدّرة، وأشكالك بأوضاعي محرّرة؛ فأنا إمامك الذي به تقتدي، ونجمك الذي به تهتدي؛ بل جميع علوم الهيئة في الحقيقة موقوفة علي، وراجعة في قواعدها إليّ؛ لولاي لم يعرف السّطح والكرة، ولم يميّز بين الخطوط والقسيّ والدّوائر المقدّرة، مع ما ينشأ عني، ويستملى من صحابي ويقتبس منّي، من أحوال المقادير ولواحقها، ومعرفة ظواهرها الواضحة ودقائقها، وأوضاع بعضها عند بعض ونسبها، وخواصّ أشكالها والطّرق إلى عمل ما سبيله أن يعمل لها، واستخراج ما يحتاج إلى استخراجه بالبراهين اليقينيّة القاطعة، وإظهارها إلى الحسّ بالأشكال البيّنة والحدود الجامعة المانعة.
فقال «علم عقود الأبنية» : نعم، إلا أنّي أنا أجلّ مقاصدك، وأعذب مواردك، ونور عيونك، وعروس فنونك؛ منّي يستفاد بناء الحصون والأسوار، ويتعرّف شقّ الأقنية وحفر الأنهار، وعمارة المدن وعقد القواصر، وسدّ البثوق وبناء القناطر، وتنضيد المساكن ووضع المنازل، ونصب الأشجار وترتيب الرّياض ذوات الخمائل.
فقال علم «جرّ الأثقال» : صدقت ولكنّي أنا أساس مبانيك وقاعدة سنادك، وحامل أثقالك وعمود اعتمادك؛ بي تعرف كيفية نقل الثّقل العظيم بالقوّة اليسيرة، حتّى تنقل مائة ألف رطل بقوّة خمسمائة وذلك من الأسرار النّفيسة والأعمال الخطيرة.
فقال «علم مراكز الأثقال» : إلا أنّك محتاج إليّ في أعمالك، ومتوقّف عليّ في جميع أحوالك، من حيث استخراج مراكز الأجسام المحمولة، وبيان معادلة الجسم العظيم بما هو دونه لتوسّط المسافة بالآلات المعمولة.
فقال «علم المساحة» : أراك قد غفلت عن معرفة المقادير