والمسافات التي هي مقدّمة عليك في وضع المباني، ومنفردة عنك بكثير من المعاني؛ من [أنواع] الخراج والزراعات، وتقدير الرّساتيق والبياعات، وكيفيّة ذرع المثلّثات، والمربّعات، والمدوّرات، والمستطيلات، وغير ذلك من دقائق الأعمال، وإدراك كمّيات المقادير على التفصيل والإجمال.
فقال «علم الفلاحة» : فإذا قد اعترفت أنّك من جملة لواحقي، مندرج في حقوقي وداخل تحت مرافقي؛ فأنا في الحقيقة المقصود منك في الوضع بالقياس، والمتّحد بك دون غيري من غير التباس، مع ما أنا عليه من معرفة كيفية تدبير النّبات من بدء كونه إلى تمام تدبيره، وتنمية الحبوب والثّمار بإصلاح الأرض وما تخلّلها من المعفّنات كالسّماد وغيره، وما أبديه من اللّطائف في إيجاد بعض الفواكه في غير فصله، وتركيب بعض الأشجار على بعض واستخراج بعضها من غير أصله.
فقال علم «إنباط المياه» : إلا أنّي أنا بداية عملك، وغاية منتهى أملك؛ لا يتم لك أمر بدوني، ولا تنبت لك خضراء ما لم تسق من بئاري وعيوني؛ فأنا الكفيل بإحياء الأرض الميّتة وإفلاحها، والقائم بتلطيف مزاجها وإصلاحها.
فقال «علم المناظر» : ما الذي تجدي أنت وطرفي عنك مرتدّ، ونظري إليك غير ممتدّ؛ وأنّى تستطيع مياهك التّرقي من الأغوار إلى النّجود، وتتنقّل عيونك وأنهارك بين الهبوط والصّعود، إذا لم أكن لك ملاحظا، وعلى الاعتناء بأمرك محافظا، مع ما أشتمل عليه غير ذلك من تحقيق المبصرات في القرب والبعد على اختلاف معانيها، وما يغلط فيه البصر كالأشجار القائمة على شطوط المياه حيث ترى وأسافلها أعاليها.
فقال علم «المرايا «١» المحرقة» : إنّك وإن دقّقت النّظر، وحقّقت كلّ