على أنّها الأيّام قد صرن كلّها ... عجائب حتّى ليس فيها عجائب!!
من قوم هم ما هم: شرب مناسب، وطيب مكاسب، قد أمكنتهم المعالي، وطاوعتهم الأيام واللّيالي، وخدمتهم جواري السّعود، وتطامنت لكلّ منهم مراقي الصّعود؛ كابر بسكون الجأش منحدر «١»(؟) وكنت قد استجديت كلّا منهم ولكن بالكلام، واستسقيت ولكن قطرة من غمام الأقلام:
وأيسر ما يعطي الصّديق صديقه ... من الهيّن الموجود أن يتكلّما!
«وليسعد النّطق إن لم يسعد الحال» فضنّ وظنّ ما ظنّ، واستعطف بنسيم الكلام غصن يراعه فما عطف ولا حنّ؛ وبخل بما رزقه الله فإنّ الفضيلة من الرّزق، وحرمني لذّة ألفاظه فإنها التي إذا أدخلت في رقّ دخل حرّ البلاغة تحت ذلك الرّق؛ وهل هو البحر فكيف شحّ بمدّة من مدّه، والغيث ولا أقول: إن الذي حبسه إلا ما قسمه الله تعالى من الحظّ عند عبده:
وإذا الزّمان جفاك وهو أبو الورى ... طرّا فلا تعتب على أولاده!
فأعلى الله كلمة سيدنا العلّامة في الدّارين، وشكر غنيّ جود كرمه وكلمه الدّارّين؛ [فهو] صاحب ديوانهم، وحجّة زمانهم؛ فلقد وصفني بما يزيد على الجواب، وشافهني من الشّكر بما لا يتوارى من الرّزق بحجاب، وأمّنني العزّ والزمان حرب، ونصرني والأيام سيوف تتنوّع من الضّرب في كلّ ضرب، وأعطاني كرمه والمحلّ محل، وفي قلب الزّمان ذحل «٢» ، ونحلني شهدة إحسانه والأوقات كإبر النّحل، حتى عذرني في حبّه من كان من اللائمين، واهتديت من لفظه وفضله بقمرين لا يميل أحدهما ولا يمين، وصلت من جاهه وماله بيدين إلا أن كلتيهما في الإعراض يمين:
ويلومني في حبّ علوة نسوة ... جعل الإله خدودهن نعالها!