للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإكداء والإصلاد، وأقول: أخطأ مستعجل أو كاد، فأثوب مثاب من حلب الدّهر أشطره، وأخذ إذا ارتفع عن الدّنيّة من حظّه أيسره، وبنى كما بنى سلفه وقرّر ما قرّره، فأقول: ارفض الدّنيّة ولا تلو عليها، فتكون «أحمق من الممهورة إحدى خدمتيها» «١» «فالحرّة تجوع ولا تأكل بثدييها» :

ولسنا بأوّل من فاته ... على رفقه بعض ما يطلب

وقد يدرك الأمر غير الأريب ... وقد يصرع الحوّل القلّب!

وتارة يخطر أن لو شكوت حالي إلى أصدقائي من ذوي الجاه، وسألتهم بإلحاقي بهم في الابتغاء من فضل الله، وأحضّهم على انتهاز فرصة الإحسان قبل الفوت، وأضرب لهم: «أعن أخاك ولو بالصّوت» فليس على مثلي ممن يخيفه الدّهر في ذلك من جناح، «وهل ينهض البازيّ بغير جناح» ؛ ثم أرى أنهم لو فضل عنهم شيء لجادوا، بل لو زويت «٢» الأرض لهم لازدادوا، ولو ملّكوا ظلّ الله لأصبحت لديهم ضاحيا، وما حالي بخاف عليهم وكفى برغائها مناديا، وقبلي بغى «٣» عليّ ففاته وأدرك الجدّ السّعيد معاويا؛ وإلى كم أعلّل تعليل الفطيم بالخضاب:

سئمت العيش حين رأيت دهري ... يكلّفني التّذلّل للرّجال!

وأخرى يسلّي نفسه عن مصابها ومصائبها، ويمنّيها كرّ الأيام بتعاقبها، ويقصّ عليها تقلّب اللّيالي بالأمم الماضية في قوالبها، وأنها ما قدّمت لأحد سعادة إلا عقّبتها بتغيير، وما سقت صفو الأماني بشرا إلا شابت كأسه بتكدير،

<<  <  ج: ص:  >  >>