للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقلت: «أجفل عن جنابك الخير وأجلى» «أضرطا وأنت الأعلى» «١» ؟، ثم تضاحكت إليه لمّا شاهدت استعباره، وأويت له إذ رأيت استكثاره الخطب واستكباره، وقلت: من ضاف الأسد قراه أظفاره، ومن حرك الدّهر أراه اقتداره؛ وعدلت إلى الذّلول الشّامس، المستأسد المستأنس، ومددت يدي إليه فانقاد لها طائعا، وخضع لإجابة دعوتي سامعا.

فلمّا حازه في القبضة الإسار، وبطل الإقلال من ذلك اللّفظ والإكثار- وقد كان أعزّ من الأبلق العقوق، وأبعد من بيض الأنوق- استجليت صورته متأمّلا، إذ لم يبق له سوى قبضتي موئلا، فرأيت هامة فحمة، وجثّة ضخمة، وشدقا أهرتا «٢» رحبا، ذا مرّة على اختلاف الحوادث صعبا، وأنيابا محدّدة عصلا كالنّصال، وطرفا مخالسا غير غرّ بالمكر والختال، كأنّه شهاب يتوقّد، أو شعلة نار لم تخمد، وسامعتين تتوجّسان ما دار في الأوهام، وتدركان ما يناجي به المرء نفسه ولو في الأحلام؛ قد نيطت بعنق صغرت هامته بالنسبة إليه، إن استدبرته قلت: هو مشرف عليها أو استقبلته قلت: هي مشرفة عليه، يشتمل على نحر خصيب، وصدر رحيب، فيه نزعتا بياض كهلالين قرنا في نسق، أو نجمي ذؤابة ظهرا في غسق، تسرّ نفس الناظر إليها، ويعقد خنصر الاختيار في حسن الشّيات عليها، اتّصل ذلك بمنكب عتيد، وساعد شديد، وبرثن شثن «٣» ومخلب حديد:

ذوات أشاف ركّبت في أكفّها ... نوافذ في صمّ الصّخور نواشب

معقّفة التّرهيف عوج كأنّها ... تعقرب أصداغ الحسان الكواعب

قد جاور جؤجؤا «٤» نهدا، وقابل كاهلا ممتدّا؛ يكاد خصره ينعقد

<<  <  ج: ص:  >  >>