ولم لا يتّخذ مولانا حمو النّيل وبرده رحلة الشّتاء والصّيف؟؛ وهو في المبادرة إلى علوّ المعالي وغلوّ المعاني، وانتهاز الفرص في بلاغ الآمال وبلوغ الأماني:
عجب من عجائب البرّ والبحر ... ونوع فرد وشكل غريب!
نعم:
من قاسكم بسواكم ... قاس البحار إلى الثّماد!
أعلى الأنام في العلوم قدرا، وإمام النّحاة من عهد سيبويه وهلمّ جرّا، وشيخ العروضيين على الحقيقة برّا وبحرا:
وشيخ سيحون والنّيل ... والفرات ودجله
وشيخ جيحون أيضا ... وشيخ نهر الأبلّه!
أي والله:
أقولها لو بلغت ما عسى: ... الطّبل لا يضرب تحت الكسا!
لا مخبأ لعطر بعد عروس، أنت أعوم في بحور الشّعر من ابن قادوس «١» ، وأصلح إذا حدّثت من صالح بن عبد القدّوس، وأشهى إذا هزلت من ابن حجّاج إلى النّفوس:
ولو أنّ بحر النّيل جاراك مازحا ... وحقّك ما استحلى له الناس زائدا!
نعود إلى ما كنّا فيه من وصف النيل، وذكر حاله الذي أصبح كما قال ابن عبد الظّاهر: كوجه جميل: فلو رآه مولانا وقد هجم على مصر فجاس خلال الدّيار، ودخل إلى المعشوق فتركه كالعاشق المهجور لم ير منه غير