الآثار، لبكى بعيني «عروة» ، وأوى من الرّصد وقد تفجّرت من صلده عيون النّزّ إلى ربوة، أورنا لروض «الجزيرة» وقد خلع حلاه، وتخلخلت عرائس أشجاره على الحالين بالمياه، والنّخيل وقد قتلت ملّاكها- حين فتك- بالأسف، وجفّ أحمر ثمرها وأصفره قأرانا العنّاب والحشف، و «الجيزة» وقد قلت لها: تبّا لجارك النّيل إذ أفسدك صورة ومعنى، وسكن مغانيك فسقى ديارك بغير استثنا، وقراها الغربيّة وقد قلت لها حين أوت إلى أعالي الأرض هربا من المياه، واعتصمت بالجبل الغربيّ: لا عاصم اليوم من أمر الله- وكلّ سفينة وقد علت على وجه الماء، وارتقت لارتقاء البحر إلى أن اختلطت بالسّماء؛ وقد قالت لها أترابها عند الفراق: إلّا ترجعي، وقلنا لها نحن على سبيل التّفاؤل: يا سماء أقلعي؛ والنّيل تبدو عليه القلوع خافية فكأنّها الخيام بذي طلوح «١» ، وجار على الناس بطغيانه فكأنّما هو أخو فرعون مصر أو ابن طوفان نوح.
فلقد طار النّسر مبلول الجناح، ودنا نهر المجرّة من السّكارى بالشّخاتيت «٢» إلى أن كاد يدفعه من قام بالرّاح، ونرجس البساتين وقد ابيضّت عيناه من الحزن فهو كظيم، وفارق أحبابه من الرّياحين ولم يبق له غير القلانس صديق وغير الماء حميم، والورد وقد قيل له: مالك من آس، وغصن البان وقد قيل له: طوبى لمن عانقك ولا باس، والأسماك وقد ألجمهم العرق، والقلقاس وقد شكا شكوى ابن قلاقس وابنه من الغرق «٣» ،