الشّعر المشهورة بالفسطاط؛ فما أطيب مدائحه النّبويّة التي جعلها سورا بينه وبين النار، وما أعجب رثاءه: جعل الله قبره بالرحمة كالرّوض غبّ القطار!!!:
يا نيل يا ملك الأنهار قد شربت ... منك البرايا شرابا طيّبا وعذا
وقد دخلت القرى تبغي منافعها ... فعمّها بعد فرط النّفع منك أذى
فقال: يذكر عنّي أنّني ملك ... وتعتدي ناسيا: إنّ الملوك إذا «١» !
وما قاله شيخنا الشّيخ جمال الدين بن نباتة «٢» الذي أطاعته من الآداب جوانح نظمها ونثرها، وسخّرت له بحور الشّعر فقالت له الآداب:
اختر من درّها؛ فسبحان من يسّر له ممتنع الكلام وهوّنه، وجعله من الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه؛ فما أشفّ دقيق فكره الجليل، وما أكثر ما يضحك زهر تقاطيعه على زهر مقطّعات النّيل؛ فما كان إلا مخصوصا في الأدب ببحور الهبات، وكلامه في العذوبة والبلاغة يزري بالفرات وابن الفرات «٣» ؛ وإن قيل أيّ أصدق كلمة قالها شاعر بعد لبيد، يقال قول ابن نباتة:
فلا عجب للفظي حين يحلو ... فهذا الفطر من ذاك النّبات!
وأما النّيل فقد استوى على الأرض فثبتت فيها قدمه، وامتدّ نصل تيّاره كالسّيف الصّقيل فقتل الإقليم وهذا الاحمرار إنّما هو دمه:
حمرتها من دماء ما قتلت ... والدّم في النّصل شاهد عجب!