فلم يترك وعدا بل وعيدا إلا وفّاه، ولا وهدا بل جبلا إلا أخفاه؛ أقبل كالأسد الهصور إذا احتدّ واضطّرم، وجاء من سنّ الجنادل فتحدّر وعلا حتى بلغ أقصى الهرم، وعامل البلاد بالحيلاء وكيف لا؟ وهو سلطان جائر أيّد بالنّصر، قائلا: إن كنت بليت بالاحتراق في أرضكم فأنا أفيض بأن أرمي من بروق تيّاري بشرر كالقصر.
هذا وطالما قابلنا قبلها بوجه جميل، وسمعنا عنه كلّ خبر خير ثابت ويزيد كما قال «جميل» ، وكلّ بديع من آثار جود يصبغ الثّرى فيخضرّ بخلاف المشهور عن صبغة اللّيل، وطالما خصصناه بدعاء فكانت الراحة به كمقياسه ذات بسطة، وكمنازل الخصب بقدومه المبارك ذات غبطة، ومنحناه بولاء وثناء هذا يدور من الإخلاص بفلك وهذا يعذب من البحار بنقطة؛ كم ورد إلى البلاد ضيفا ومعه القرى، وكم أتى مرسلا بمعجز آيات الخصب إلى أهل القرى؛ فهو جواد قد خلع الرّسن، ساهر في مصالح الخلق وقد ملأ الأمن أجفانهم بالوسن، جامع لأهل مصر من سقياه ومرعاه ووجهه بين الماء والخضرة والوجه الحسن؛ كم بات سير مقياسه يشمل بظلّه الغائبين والحاضرين، وكم رفع على الوفاء راية صفراء فاقع لونها تسرّ النّاظرين، وبلغ وبلّغ بخرير التّيّار سلامه، وبات الناس بوفائه من حذار الغلاء تحت السّتر والسّلامة، وخلّق صدر العمود «١» وكيف لا يخلّق بشير العباد والبلاد، ودعا مصر لأخذ زخرفها فسواء قيل: ذات العمود أو ذات العماد، وبسط يده ببركة الماء فقيل: سلام لك من أصحاب اليمين، وخضّب بنانه وأقسم بحصول الخير فقيل لمخضوب البنان يمين، وأشار إلى وصول المدّ المتتابع، وقبض يده المخلّقة على الماء فوفت وما خابت فروج الأصابع، ونادى رائد