أقلع يرتاد مرتعا، فوجد ولكن مصرعا، وأسفّ يبتغي ماء جمّا فوجد ولكن السّمّ منقعا، وحلّق في الفضاء يبغي ملعبا فبات هو وأشياعه سجّدا لمحاريب القسيّ وركّعا؛ فتبرّكنا بذلك الوجه الجميل، وتداركنا أوائل ذلك القبيل.
فاستقبل أوّلنا تمام بدره، وعظم في نوعه وقدره؛ كأنه برق كرع في غسق، أو صبح عطف على بقيّة الدّجى عطف النّسق؛ تحسبه في أسداف المنى غرّة نجح، وتخاله تحت أذيال الدّجى طرّة صبح؛ عليه من البياض حلّة وقار، وله كدهن «١» عنبر فوق منقار من قار؛ له عنق ظليم، والتفاتة ريم، وسرى غيم يصرّفه نسيم:
فأرسل إليه عن الهلال نجما، فسقط منه ما كبر بما صغر حجما؛ فاستبشر بنجاحه، وكبّر «٢» عند صياحه، وحصّله «٣» من وسط الماء بجناحه.
وتلاه كيّ نقيّ اللّباس، مشتعل شيب الرّاس، كأنّه في عرانين شيبه لا وبله كبير أناس؛ إن أسفّ في طيرانه فغمام، وإن خفق بجناحه فقلع له بيد النّسيم زمام؛ ذو عيبة كالجراب، ومنقار كالحراب، ولون يغرّ في الدّجى كالنّجم ويخدع في الضّحى كالسّراب؛ ظاهر الهرم، كأنما يخبر عن عاد ويحدّث عن إرم:
إن عام في زرق الغدير حسبته ... مبيضّ غيم في أديم سماء
أو طار في أفق السّماء ظننته ... في الجوّ شيخا عائما في ماء
متناقض الأوصاف فيه خفّة الجهّال ... تحت رزانة العلماء!