التعظيم كقول القائل:«أنا جذيلها المحكّك، وعذيقها المرجّب»«١» . ومما يستحسن من وصية أبي تمام لأبي عبادة البحتريّ في الشعر مما لا يستغني الناثر عن المعرفة به، والنّسج على منواله: لأنه يجب أن يناسب بين الألفاظ والمعاني في تأليف الكلام، ويكون كخيّاط يقدّر الثياب على قدر الأجسام، وأن يجعل شهوته لتأليف الكلام هي الذّريعة إلى حسن نظمه، فإنّ الشهوة نعم المعين، ويعتبر كلامه بما سلف من كلام الماضين، فما استحسنه العلماء فليقصده، وما استقبحوه فليجتنبه، وينبغي أن يعمل السجعات مفرّقة بحسب ما يجود به الخاطر، ثم يرتبها في الآخر ويحترز عند جمعها من سوء الترتيب، ويتوخّى حسن النسق عنه التهذيب، ليكون كلامه بعضه آخذا بأعناق بعض، فإنه أكمل لحسنه، وأمثل لرصفه؛ وأن يجيد المبدأ والمخلص والمقطع، ويميز في فكره محط الرسالة قبل العمل، فإنه أسهل للقصد؛ ويجتهد في تجويد هذه المواضع وتحسينها؛ ويوضّح معانيه ما استطاع.
قلت: وقد سبق في أوّل هذه المقالة في بيان ما يحتاج إليه الكاتب من الأدوات وذكر أنواعها بيان كيفية الاقتباس من آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية والاستشهاد بها، وكيفيّة حل الشعر إلى النثر، وتضمينه في خلال الكلام المنثور وما يجري هذا المجرى، فأغنى عن إعادته هنا.
وأما بيان ما يستحسن من الكلام المصنوع فقد قال في «الصناعتين» : إن الكلام يحسن بسلاسته وسهولته ونصاعته، وتخيّر لفظه، وإصابة معناه، وجودة مطالعه، ولين معاطفه، واستواء تقاسيمه وتعادل أطرافه وتشبّه أعجازه بهواديه،