فى ذاك الموطن- أعنى اليمامة- فيضيع على المسلمين جمّاع دينهم، ويعز عليهم كتابهم.
وحين جلس عمر إلى أبى بكر أخذ يناقشه فيما أتى إليه من جمع القرآن، بعد أن بسط السبب الحافز، وتلبث أبو بكر يراجع نفسه، ثم أرسل إلى زيد بن ثابت، وكان من كتاب الوحى، وحضر زيد مجلس أبى بكر وعمر وسمع منهما ما هما فيه، فإذا هو معهما فى الرأى، وإذا أبو بكر حين يجد من زيد حسن الاستجابة يتجه إليه يقول: إنك شاب عاقل لانتهمك، وقد كنت تكتب الوحى لرسول الله، فتتبع القرآن اجمعه.
ومضى زيد يتتبع القرآن يجمعه ويكتبه، وكان زيد حافظا، فيسر عليه حفظه عبئه شيئا، ولكنه كان إلى هذا لا يقنع فى إثبات الآية يختلف فيها إلا بشهادة.
واجتمعت هذه الصحف فى بيت أبى بكر حياته، ثم فى بيت عمر حياته.
وكما حركت محنة اليمامة عمر إلى حسنة، حركت محنة أخرى- بعد مقتل عمر- عثمان إلى حسنة، فقد قدم حذيفة بن اليمان من حرب أرمينية وأذربيجان على عثمان فزعا من اختلاف المسلمين فى قراءة القرآن، يقول لعثمان: أدرك الأمة قبل أن يختلفوا.
وكما استجاب أبو بكر إلى عمر استجاب عثمان إلى حذيفة، فأرسل عثمان يطلب الصحف من عند حفصة بنت عمر وزوج النبى. وأرسلت حفصة بالصحف إلى عثمان، وجمع عثمان إليه زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وكلهم من كتاب الوحى، وأمرهم بنسخ هذه الصحف. فكتبوا منها سبع مصاحف، ثم رد عثمان الصحف إلى حفصة. فلم نزل عندها حتى أرسل مروان بن الحكم بن أبى العاصى فأخذها فحرقها، كما ذكر أبو بكر السجستانى.